ما الذي نتعلمه من وباء فيروس التاج ليصبح جزءا أساسيا من حياتنا اليومية؟

الوباء الحالي الذي شل العالم بأسره بسبب إجراءات ما سمي “الإغلاق التام”، أظهر مدى الجهل لدى كثير من الناس في كل بلدان العالم، بالجراثيم المُعدية وخطورتها، وخاصيات تكاثرها، ووسائل تنقلها من إنسان إلى إنسان أو من حيوان إلى إنسان، وكيفية إحداثها للأمراض، وجهل الكثيرين بالإجراءات الأكثر نجاعا للحد من العدوى والوقاية من الأمراض المُعدية والقضاء عليها.
ولا يجوز هنا العذر بأن معرفة تلك المعلومات منوطة بأهل الاختصاص فحسب، بل يجب أن تكون لكل إنسان نسبة معينة ضرورية من المعلومات عن الجراثيم والأمراض المُعدية، لأن هذا أمر يخص كل إنسان في حياته اليومية، تتعلق به صحته الشخصية وأمانه. من ثم فتحصيل ما يكفي من المعلومات الضرورية عن الأمراض المعدية والجراثيم المسببة لها أمر ضروري، يجب أن يكون جزءا لا يتجزأ من الثقافة العامة لكل فرد وفي كل المجتمعات.
فإذا نظرنا مثلا للإجراءات التي وجب اتباعها خلال وباء فيروس التاج (كوفيد 19)، فغالبها إجراءات الأصل فيها أن تكون من ثقافتنا العامة المتعلقة بالصحة، وأن نتبعها في حياتنا اليومية بانتظام وعلى الدوام وليس بسبب وباء فيروس التاج فحسب، ونعلمها لأطفالنا وندربهم على ممارستها.
لذلك سنعرض فيما يلي بعض تلك الإجراءات، لنذكر بأهميتها ووجوب اتباعها على الدوام، لأنه ليس فيروس التاج (كوفيد 19) الجرثوم الوحيد الذي يشكل خطرا على صحتنا، بل هناك أنواع أخرى كثيرة من الجراثيم التي تعيش بيننا على الدوام ويمكنها التسبب في أمراض معدية في أي وقت إذا لم نداوم على اتخاذ الإجراءات الوقائية، منها على سبيل المثال لا الحصر، فيروس النَّزْلَة الوافِدَة الذي يصيب الرئة ويسبب حمى وسعال الخ، وينتقل من إنسان لإنسان عبر قطرات الجهاز التنفسي التي تخرج من الشخص المُصاب بالفيروس عبر العُطاس أو السُّعال دون تغطية الفم والأنف، فتنتقل الى الشخص أو الأشخاص القريبين منه.
وهناك الفيروس العجلي الذي يصيب بالدرجة الأولى الأمعاء الدقيقة ويسبب إسهالا حادا خصوصا لدى الأطفال الصغار، ويتسبب في وفاة أكثر من 400000 طفل سنويا حول العالم، وينتقل من شخص لآخر بالدرجة الأولى عبر البراز، حين لا ينظف المُصاب يديه جيدا بالماء والصابون بعد استعماله للمرحاض.
وهناك مثلا باكتيريا السلمونيلا التي تسبب الإسهال والتهابات في المعدة والأمعاء، وتنتقل من الحيوان الى الإنسان أو من الإنسان الى الإنسان عبر البراز، أو عبر مواد غذائية متعفنة (لم يتم مثلا حفظها بطريقة صحية في درجة حرارة منخفضة) أو بسبب عدم طهي مواد غذائية بما فيه الكفاية (كالبيض واللحوم).
وهناك جراثيم تنتقل عن طريق الدم كفيروس نقص المناعة البشري (أو متلازمة نقص المناعة المُكتسَبة)، وجراثيم تنتقل عبر الجماع كباكتيريا الملتوية اللولبية الشاحبة التي تسبب مرض الزهري وفيروس نقص المناعة البشري.
«اقرأ أيضا: لمحة وجيزة عن كيفية تنشيط اللقاح مناعةً ضد الجراثيم»
إجراءات الوقاية من الأمراض المُعدية ووجوب اتباعها على الدوام
- غسل اليدين بانتظام بالماء والصابون: هذا من أساليب النظافة المهمة والوقاية في آن واحد التي يجب القيام بها دائما عند استعمال المرحاض (أيا كان نوع استعمال المرحاض)، أو عند الرجوع الى البيت من الخارج، أو عند اللعب بالأصبع داخل الأنف، الخ.
- الحفاظ على مسافة مترين على الأقل بينك وبين أشخاص لديهم السعال أو يعطسون.
- تغطية الفم والأنف عند السعال أو العطس، إما بوضع منديل يُرمى بعدها فورا في سلة المهملات أو بتغطيتهما بالكوع (أي الأنف والفم) وليس باليد.
- البقاء في البيت وعدم الذهاب للعمل أو المسجد أو أماكن يختلط فيها الناس، إذا شعرت بأعراض لأمراض معدية كمرض النَّزْلَة الوافِدَة أو إسهال الفيروس العجلي. هكذا لا تنقل العدوى الى غيرك من الناس.
- الامتناع/التوقف عن التدخين، لأنه، بالإضافة الى كونه من مسببات سرطان الرئة، فإنه يضعف الرئة ويضاعف أعراض المرض عند الإصابة بجراثيم تصيبها.
- تجنب ما أمكن الأماكن المزدحمة في فصل الشتاء على الخصوص، لأن فيه تنتشر سنويا النَّزْلَة الوافِدَة.
- اجتناب اتصال دم إنسان أو حيوان بدمك (فأنت لا تعرف ما إذا كان دم ذلك الإنسان أو الحيوان ملوث بجراثيم)، وذلك باستعمال قفازات حين التعامل مع أي نوع من الدم وخصوصا إذا كان لديك جرح أو فتحة في الجلد، يمكن للدم العبور عن طريقها الى داخل جسمك.
- على الزوجين، وخصوصا الجُدد أو المقبلين على الزواج، القيام بفحوصات على أمراض الأعضاء التناسلية لاتخاذ العلاجات الضرورية والوقاية المناسبة إذا ما ثبت إصابة أحد الزوجين أو كلاهما بمرض مُعدي.
- العناية بالصحة البدنية، لأنها تقوي جهاز المناعة وتجعل الجسم أقدر على تحمل المرض والتغلب عليه. ومن أهم الوسائل المقوية للمناعة، نظام غذائي صحي وممارسة الرياضة بانتظام والنوم الكافي والابتعاد عن الإرهاق المُزمن للجسم والذهن. ومن الفوائد الإيجابية والمهمة التي تترتب على الغذاء الصحي والرياضة والتي لها دور أيضا في تقوية مناعة الجسم، الحفاظ على وزن صحي. ومن أهم ركائز نظام غذائي صحي، التقليل من تناول السكريات والدهنيات “السيئة”، والاستغناء تماما عن السكر الأبيض، وتجنب الإفراط في الأكل، وترجيح كفة الخضار والأسماك والفواكه في النظام الغذائي.
- تناول مكملات غذائية بانتظام لتغطية أي نقص في المواد الضرورية التي يحتاجها الجسم ليحافظ على صحته وقوة مناعته، فهناك كثير من المواد الحيوية المهمة التي لا يمكن للجسم صناعتها، ولا تتوافر بكميات كافية في الأطعمة الطبيعية التي نتناولها (وإن كانت فواكه وخضر طازجة، ولحوم صحية، فكميات تلك المواد في الأغذية مرتبطة بعدة عوامل منها طريقة الزراعة وأنواع الأتربة التي تُستعمل للزراعة، ونوع علف الحيوانات، الخ). ومن بين هذه المكملات الغذائية التي يُنصح بتناولها بانتظام، فيتامين دال، وفيتامينات باء، وفيتامين سي، ومعادن كالحديد (خصوصا بالنسبة للنساء الحوائض والممارسين للرياضة) والمغنسيوم، وغيرها من المواد المهمة والحيوية للجسم.
وباء فيروس التاج يذكرنا بمسؤولية كل فرد تجاه الغير
إجراءات الوقاية في زمن وباء فيروس التاج علمتنا وذكرتنا بواجب الإحساس بالمسؤولية تجاه الغير، فإن كنت مصابا بمرض معدي، أيا كان نوع المرض المعدي كمرض النَّزْلَة الوافِدَة أو إسهال الفيروس العجلي أو مرض السل أو غيرها من الأمراض المعدية، فعليك عزل نفسك عن الناس (ومنهم الأسرة الصغيرة داخل البيت) ولا تذهب للعمل ولا إلى المسجد، لكيلا تنقل العدوى الى الغير.
فهذا الإحساس بالمسؤولية تجاه الغير وتجنب إيذائهم يُعتبر من ركائز الشريعة الإسلامية، فقد ورد مثلا عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ، مَنْ ضَارَّ ضَرَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ»، “الضَّرَرُ” أَنْ يُدْخِلَ عَلَى غَيْرِهِ ضَرَرًا بِمَا يَنْتَفِعُ هُوَ بِهِ، وَالضِّرَارُ أَنْ يُدْخِلَ عَلَى غَيْرِهِ ضَرَرًا بِلَا مَنْفَعَةٍ لَهُ بِهِ (جامع العلوم والحكم للحافظ ابن رجب). وقال صلى الله عليه وسلم: «لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ» (صحيح مسلم)، ويُستفاد من هذا الحديث عدم الاقتراب (على الأقل بدون وسائل وقاية ناجعة المتوافرة في عصرنا الحالي) من إنسان به مرض معدي، وهذا يشمل رفض المُصاب بمرض معدي، وهو يعلم أنه مُصاب، أن يقترب منه الأصحاء أو يقترب هو منهم.
كما قال الرسول: « مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ» (صحيحي البخاري ومسلم). فإن كان لا يجوز إيذاء المصلين برائحة البصل أو التوم، لمجرد كراهة الرائحة دون التسبب بمرض، فمن الأولى ألا يختلط بالناس من يمكن أن يتسبب في إيذائهم بما هو أعظم: مرض معدي يسبب آلام وأوجاع وقد يؤدي للموت.
فهرس
فيروس النَّزْلَة الوافِدَة = Influenza virus
الفيروس العجلي = Rotavirus
فيروس التاج = Coronavirus
باكتيريا الملتوية اللولبية الشاحبة = Bacterium Treponema pallidum
باكتيريا السلمونيلا = Bacterium Salmonella
فيروس نقص المناعة البشري أو متلازمة نقص المناعة المُكتسَبة = Human immunodeficiency virus – HIV