أخبار العالم

نشر صور لصحفي بدون ملابس في بيته في إدلب، ينذر بسقوط أخلاقي خطير لإسكات الأصوات الناقدة

اقرأ في هذا المقال
  • «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ»

من الأحداث الغريبة المشينة المُؤسفة، ما تم القيام به مؤخرا ضد أحد الصحفيين في إدلب، بلال عبد الكريم، حيث اخترق مجهولون هاتفه الخاص وسرقوا منه صورا خاصة له في بيته وصورا لزوجته وأسرته، ونشروا بعضها على وسائل التواصل الاجتماعي. بعض الصور الخاصة يظهر فيها بلال بدون ملابس في بيته.

من هو بلال عبد الكريم؟

بلال عبد الكريم، أمريكي الجنسية، كان يُسمى قبل إسلامه “داريل لامونت فيلبس”، وُلد عام 1390هـ (1970م) في مدينة “ماونت فيرنون” بولاية نيويورك الأمريكية. بعد إنهائه الدراسة الابتدائية والثانوية سنة 1408هـ (1988م)، التحق بجامعة الفنون المسرحية في نيويورك، وشرع في العمل بالكتابة والمسرح والعرض الفكاهي. اعتنق الإسلام سنة 1418هـ (1997م)، فبدأ بتغيير جذري في مسار حياته، حيث قرر دراسة اللغة العربية حتى يتمكن من قراءة القرآن والكتب الإسلامية بنفسه، فسافر الى الخرطوم، العاصمة السودانية، حيث التحق بجامعة أفريقيا الدولية. بعدها انتقل الى مصر، حيث درس اللغة العربية والتفسير. اشتغل كمقدم برنامج ديني باللغة الإنجليزية في قناة الهدى الفضائية بالقاهرة والممولة من قِبل السعودية، لكنه اختلف مع إدارة القناة بسبب مواقفه بخصوص الأحداث في العالم الإسلامي، فاستقال من القناة. قام بعدها بإعداد أفلام وثائقية عن ليبيا ورواندا وأماكن أخرى لقناة إسلامية في بريطانيا، حيث أشار في أحد تقاريره إلى أن هناك تقصير في تغطية أخبار المسلمين أو يتم تحريف أخبارهم من قبل معظم وكالات الأخبار الكبرى. وفي عام 1433هـ (2012م)، انتقل بلال عبد الكريم إلى سوريا لتغطية معارك الثوار، حيث بقي هناك الى يومنا هذا.

أنتج بلال عبد الكريم عدة تقارير إعلامية عن الثورة في الشام لعدد من وسائل الإعلام الغربية، وكان ينقل الأحداث من الجبهات الأمامية للقتال ويعلق عليها، إلا أنه لاحظ أن الإعلام الغربي يريد تغطية معينة عن الفصائل الإسلامية في ثورة الشام، تعطي صورة سيئة عنهم، تصورهم كأشرار وإرهابيين. لذلك قرر بلال وبعض أصدقائه تأسيس قناة إعلامية مستقلة، يستطيعون عبرها نقل الأحداث كما يرونها، دون تأثير أي جهة إعلامية، فأسسوا سنة 1437هـ (2016/2015م) قناة “أخبار من أرض الواقع” بحسابات على عدة مواقع للتواصل الاجتماعي، كيوتيوب، وفيسبوك، وتويتر. وحسب تصريح بلال عبد الكريم، فإنه يحصل على بعض التمويل من أفراد متعاطفين لم يذكر أسمائهم.

التغطية الإعلامية النقدية لبلال عبد الكريم جلبت له عداوة من بيدهم السلطة في مناطق الثوار المحررة

من أهم ما يميز تعليقات وتحقيقات بلال عبد الكريم الصحفية، هو خطه النقدي ومطالباته المستديمة بإقامة العدالة في مناطق الثوار، ووجوب احترام الفصائل الثورية لحقوق الناس، ومحاسبته للفصائل على أدائهم العسكري والسياسي والاقتصادي، فلا يسكت عن التجاوزات والمظالم التي تصدر من فصائل الثورة. وبما أن ″هيئة تحرير الشام“ أصبحت هي المهيمنة على إدلب وصاحبة القرار السياسي والاقتصادي والقضائي والأمني والعسكري فيها، فقد نالت النصيب الأكبر في السنوات الأخيرة من انتقادات بلال عبد الكريم.

فمثلا انتقد السياسة المالية والاقتصادية في إدلب، فطالب باعتماد الليرة التركية والدولار الأمريكي بدلا من عُملة نظام الأسد، الليرة السورية، التي تهاوت قيمتها للحضيض مما أدى إلى إفقار الناس في إدلب وضعف قدرتهم الشرائية. كما أشار بلال عبد الكريم الى أن هيئة تحرير الشام تستفيد ماليا من اعتماد الليرة السورية، حيث تشتريها من النظام بسعر، ثم تبيعها بسعر أعلى في إدلب.

وانتقد بلال عبد الكريم فتح ”هيئة تحرير الشام“ المعابر مع نظام بشار الأسد واستئناف التبادل التجاري معه، معتبرا أن ذلك خيانة للدماء التي سفكها نظام بشار الأسد.

وينتقد بلال عبد الكريم بشدة اعتقالات هيئة تحرير الشام العشوائية لإعلاميين ونشطاء بالإغاثة، ولكل من ينتقدها أو يخالفها أو يبين فسادها، اعتقالات لا تخضع لأي ضوابط قانونية، فيطالب بوجوب وضع ميثاق وقانون يحدد حدود سلطات ”هيئة تحرير الشام“ وشروط الاعتقال ومدته وحقوق المعتقلين والشفافية في التعامل مع ملفات المعتقلين وأهاليهم، ووجوب عرض المتهمين بسرعة على قضاء مستقل، الخ.

فقد انتقد مثلا اعتقال ”هيئة تحرير الشام“ لأبي العبد أشداء (اسمهُ الحقيقي عبد المعين كحال) أحد القياديين العسكريين لدى هيئة تحرير الشام، الذي نشر تسجيلا مصورا يتهم فيه الهيئة بالفساد والطغيان واستيلائهم على ممتلكات المدنيين، الى غير ذلك من المظالم. وأجرى بلال لقاءا مع والدة أبي العبد أشداء.

كما انتقد بلال اعتقال ”هيئة تحرير الشام“ للناشط الإعلامي أحمد رحال الذي أجرى الحوار مع أبي العبد أشداء ونشره.

وأخيرا وليس آخرا، انتقد بلال عبد الكريم اعتقال ”هيئة تحرير الشام“ لتوقير شريف (الملقب بحسام البريطاني)، أحد الناشطين بالمجال الإغاثي، حيث اتهمته الهيئة بـ “سوء إدارة أموال الإغاثة، ونقل جزء منها لدعم بعض المشاريع التي تحرض على الانقسام والانشقاق والتفرقة”.

مَنِ الجهة وراء اختراق هاتف بلال عبد الكريم ونشر صوره الخاصة؟

رغم إصدار ”هيئة تحرير الشام“ بيانًا نفت فيه مسؤولية جهازها الأمني عن اختراق هاتف عبد الكريم وتسريب الصور الخاصة به، إلا أن هناك قرائن عدة يصعب معها توجيه تهمة اختراق هاتف بلال عبد الكريم ونشر صوره الخاصة، لجهة أخرى غير ”هيئة تحرير الشام“ التي تقبض قبضة أمنية صارمة على إدلب وملفها الأمني.

فمثلا لدينا تصريحات بلال، بأن قيادات من هيئة تحرير الشام طلبت منه مرارا التوقف عن إصدار مواد إعلامية تنتقد ممارسات الهيئة. وأشار بلال بالخصوص لأحد قادة الهيئة (لم يُعلن عن اسمه) الذي قال أن لديه ملفات عنه (أي عن عبد الكريم) سيتم استعمالها ضده لإسكاته.

وهناك ممارسات هيئة تحرير الشام التي لا تلتزم أي معايير شرعية، والأخبار المتواترة عن طغيانها ضد من ينتقدها، والعنف المفرط الذي تستعمله عند الاعتقالات، ناهيك عن “الصندوق الأسود” داخل المعتقلات، خصوصا أن الهيئة تمارس نفس سياسات الإخفاء القسري، فلا يُعرف مصير المعتقلين، ولا يعرف أهاليهم مكان اعتقالهم، ولا يُمَكَّنون هم ولا محامون من زيارتهم، ولا يوكل لهم محامون للدفاع عنهم، ولا يُعرضون على محاكم مستقلة، الخ.

«اقرأ أيضا: تعرف على الطرق الناجحة لحماية خصوصياتك في الهاتف والحاسوب من الاختراق»

ليس من أخلاق الإسلام وشيمه التجسس على عورات الناس، فهذا نذير سقوط أخلاقي خطير للمتنفذين في مناطق الثوار

من العار أن يقع لبلال عبد الكريم ما وقع له وهو في مناطق الثوار وتحت حكم ”هيئة تحرير الشام“، التي طالما حملت شعار الإسلام، وأن مرادها استبدال عدل الإسلام بجور النظام العلماني في سوريا.

من المعلوم من الإسلام بالضرورة، أن التجسس حرام، وفضح المستور من أحوال الناس الخاصة حرام حُرمة مُغلظة. حتى لو كان شخص يزني أو يشرب الخمر في مكان مستتر، فلا يجوز تصويره وفضح فِعلته. فما بالك لو اجتمع التجسس مع نشر ما حصلوا عليه من عمليات التجسس من أحوال الناس الخاصة وهم في وضعيات “مريحة في بيوتهم”، كما فعلوا عندما اخترقوا هاتف بلال عبد الكريم، ونشروا صوره الخاصة في بيته وهو بدون ملابس وصورا لزوجته!

فقد قال الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا} (سورة الحجرات).

وقال الرسول: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا» (صحيح البخاري ومسلم).

وقال الله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (سورة النور). ومن وسائل وأسباب نشر الفاحشة، تتبع عورات الناس ونشرها، فقد قال رسول الله: «إِنَّكَ إِنْ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ» (سنن أبي داود، وصححه الألباني).

والله ورسوله حرَّما إذاعة حتى المعاصي إذا ارتكبها أصحابها خفية، ووجوب الستر على مقترفيها، فما بالك بنشر عورات الناس وهم ليسوا في معصية؟! فقد قال رسول الله: «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» (صحيح مسلم)؛ وقال صلى الله عليه و سلم: «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ» (سنن الترمذي)، ومعنى (وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ)، أَيْ ولَوْ كَانَ فِي وَسَطِ مَنْزِلِهِ مَخْفِيًّا مِنَ النَّاسِ. وفي رواية لأحمد في مسنده، قال رسول الله: «لَا تُؤْذُوا عِبَادَ اللَّهِ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَطْلُبُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ طَلَبَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، طَلَبَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ فِي بَيْتِهِ».

لا يجوز شرعا التجسس على الأحوال الشخصية للناس ونشرها، سواء كانوا مسلمين أو كفارا، وسواء كانوا أولياء أو أعداء أو جواسيس، فليس من أخلاق الإسلام وشيمه التجسس على عورات الناس، ولا نشر المستور من معاصيهم. فالله أمر بالستر، وفي كل ذلك خير عظيم، إذ به يُحفظ المجتمع من الريبة، ويُمنع تفشي الفواحش ونشرها. فما أن يصبح تتبع العورات من الممارسات المقبولة في المجتمع، وأداة مباحة للقضاء أخلاقيا على المخالفين، أو على الأعداء، أو على المعارضين والمنتقدين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، كما تفعل غالب أنظمة سايكس بيكو في العالم الإسلامي، حتى يُفتح “صندوق الباندورا” الذي يصعب إعادة إقفاله، صندوق تخرج منه كل أنواع الشر، فتصمت أصوات الحق خوفا من أن تُفضح عوراتها، وتعلو أصوات الباطل لأنها لا خلاق لها ولا تخاف الفضيحة، وتكون عادة شريكة للفاسدين المتنفذين الذين يمارسون سياسة إسكات الحق بتتبع عورات دعاته.

مصادر

  1. بلال عبد الكريم.. من رفاهية نيويورك لسعير حلب https://www.aljazeera.net/encyclopedia/icons/2016/12/20/بلال-عبد-الكريم-من-رفاهية-نيويورك
  2. تقرير من سوريا، أمريكي بوجهة نظر ورسالة Reporting From Syria, an American With a Point of View and a Message https://www.nytimes.com/2017/03/10/world/middleeast/reporting-from-syria-an-american-with-a-point-of-view-and-a-message.html
  3. قناة “أو.جي.إن”  OGN TV) https://www.youtube.com/c/OGNTV/about)
  4. كلمة صوتية على الماشي للدكتور هاني السباعي حول جريمة نشر صورة شخصية خادشة للحياء العام للصحفي بلال عبد الكريم المقيم بإدلب 18 ذو القعدة 1441هـ الموافق 9 يوليو 2020م. https://www.risalawd.com/infusions/video/video.php?id=307
  5. مصدر أمني يوضح حقيقة صور الإعلامي “بلال عبدالكريم” التي نشرت https://ebaa.news/news/special/2020/07/69525/

فهرس

داريل لامونت فيلبس = Darrell Lamont Phelps

ماونت فيرنون” = Mount Vernon

قناة أخبار من أرض الواقع =   On The Ground News

Print Friendly, PDF & Email
اظهر المزيد

مجلة التنوير

موقع مستقل منبر للتحليل العميق للأحداث في العالم منصة لتنوير العقول وإحياء القلوب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Enter Captcha Here : *

Reload Image

زر الذهاب إلى الأعلى