سياسة

ترامب يمهد للبقاء رئيسا حتى لو خسر الانتخابات وربما يضطر الحرس لإخراجه بالقوة من البيت الأبيض

اقرأ في هذا المقال
  • لعل ترامب لا يحلم بالبقاء في السلطة حتى لو خسر الانتخابات الرئاسية القادمة فحسب، بل يبدو وكأنه يمهد عمليا خطةً للانقلاب على نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة في نوفمبر 2020م إن لم تكن لصالحه

بعدما برَّأ مجلس الشيوخ الأميركي في جمادى الثانية 1441هـ (فبراير 2020م) الرئيس دونالد ترامب من تُهمتَي عرقلة عمل الكونغرس واستغلال السلطة، نشر ترامب على حسابه الخاص على تويتر شريطا تمثيليا يوحي ببقائه رئيسا لأمريكا للأبد، رغم أن الدستور الأميركي لا يسمح بانتخاب رئيس لأكثر من ولايتين مدة كل منها 4 سنوات.

ترامب يمهد للانقلاب على نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة إن لم تكن لصالحه

وإن كان هذا الشريط مجرد مزاح، القصد منه إغاظة معارضيه، خصوصا من الديمقراطيين الذين رفعوا الدعاوى ضده بتهم عرقلة عمل الكونغرس واستغلال السلطة، في محاولة منهم لعزله من منصب الرئاسة، إلا أن من يعرف شخصية ترامب، التي تتسم بالغرور والحب المفرط للذات، وحبه للسلطة، مع خوفه من متابعات قضائية بخصوص عدة قضايا عندما يفقد الحصانة بفقدانه لمنصب الرئاسة، فلن يستبعد أن يكون ترامب تراوده فعلا فكرة البقاء في السلطة حتى لو خسر الانتخابات الرئاسية القادمة، والتي يُستبعد قدرته على الفوز بها، بعد فشله الذريع في عدة قضايا مهمة في الفترة الأخيرة، منها كيفية تعامله من وباء فيروس التاج، وكيفية تفاعله مع الاحتجاجات الشعبية على إثر مقتل المواطن الأسود جورج فلويد من قِبَل الشرطة الأمريكية، ناهيك عن سوء تدبيره في قضايا أخرى أساءت لكثير من الأمريكيين. .. بل أبعد من ذلك، فلعل ترامب يطمح حتى في مدة أطول من ولايتين في الحكم، ربما حتى مماته، خصوصا أن ترامب وصل من العمر عتيا، واقترب موعد لقائه بالموت، إذ عمره الآن 74 سنة.

فلعل ترامب لا يحلم بالبقاء في السلطة حتى لو خسر الانتخابات الرئاسية القادمة فحسب، بل يبدو وكأنه يمهد عمليا خطةً للانقلاب على نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة في نوفمبر 2020م إن لم تكن لصالحه.

ما هي الأدوات المُحتملة التي يمكن لترامب استعمالها للبقاء في الحكم رغم خسارة الانتخابات

أما الأساليب المحتملة التي قد يسعى ترامب لاستعمالها للبقاء في السلطة، فقد تم نقاش بعضها في مقال تحت عنوان «كيف يمكن أن يخسر ترامب الانتخابات ويبقى رئيسًا»، نشرته مجلة “أخبار الأسبوع” (نيوز ويك) الأمريكية، كتبه كلا من تيموثي وِيرْث، سيناتور أمريكي سابق، والصحفي تُومْ رُوجرز، الذي يشغل حاليا منصب الرئيس التنفيذي لشركة “محرك الإعلام”، وكان في السابق مستشارا للجنة الكونجرس الأمريكي.

الأداة الأولى: سحب حق التصويت من المعارضين لترامب أو عرقلة قدرتهم على الذهاب للتصويت

الوسيلة الأولى التي سيحاول ترامب اتباعها للبقاء رئيسا في الانتخابات القادمة، هي ما يُسمى في الوسط السياسي الأمريكي بـ “قمع الناخبین”، كما أشار إليها تيموثي وِيرْث وتُومْ رُوجرز في مقالهما. وهذه استراتيجية يتم ممارستها للتأثیر على نتیجة التصویت عبر استهداف مجموعة من الناس ومنعهم من التصویت، وبالتالي تقلیل عدد الناخبین الذین یمكن أن یصوتوا ضد مرشح ما. بمعنى أدق، ترامب قد يسعى لاستهداف السود وذوي أصول أجنبية، والناس/الولايات المعروفين بانتخابهم للديمقراطيين، فيسحب رخصة التصويت لأعداد كبيرة منهم.

ولعل «اللجنة الاستشارية الرئاسية حول نزاهة الانتخابات» التي أنشأها ترامب سنة 1438هـ (2017م)، بغرض منع تزوير الانتخابات، ستكون أداة لقمع الناخبين بحجة وجود شبهة تزوير. وتعمد هذه اللجنة لإنشاء قائمة بيانات للناخبين من كل الولايات المتحدة الأمريكية، تشتمل على عدة معلومات شخصية، من بينها الاسم الكامل وتاريخ الميلاد وعنوان/عناوين السكن، وتطوير برنامج حاسوب يمكنه مقارنة البيانات والتحقق ما إذا كان الناخبون مسجلين في ولايتين أو أكثر.

لكن النُّقاد أعربوا عن تخوفهم من أن تصبح هذه البيانات المجموعة عن الناخبين والمركزة بيد سلطة واحدة، أن يتم استغلالها ليست لمحاربة تزوير الانتخابات، ولكن لاستهداف أناس وحرمانهم من التصويت، إذا كانوا سيصوتون ضد المرشح المتحكم بـ «اللجنة الاستشارية الرئاسية حول نزاهة الانتخابات»، ومن ثم التأثير في نتائج الانتخابات.

كما أن باحثون في جامعة ستانفورد، وجامعة بنسلفانيا، وجامعة هارفارد، ومايكروسوفت، وجدوا أن البرنامج الذي يتم استعماله لجمع بيانات الناخبين ومقارنتها والتحقق من هوية الناخبين، بأنه غير دقيق، إذ قد ينسب في كثير من الحالات بالخطأ لكل ناخب شرعي ما يقرب من 200 شخصا مماثلا له.

وهناك وسيلة أخرى يُحتمل أن يستغلها ترامب للتأثير على نتائج التصويت، وهي منع التصويت عبر البريد، مما يضطر كل الناخبين – بأعدادهم الضخمة – الذهاب شخصيا لمكاتب الاقتراع للإدلاء بأصواتهم. في هذه الحال، ستصطف طوابير طويلة أمام مكاتب الاقتراع، مما سيدفع الكثيرين للعزوف عن التصويت. كما أن الناس القاطنين في أماكن بعيدة، ستعزف أصلا نسبة منهم عن الذهاب للانتخاب، لطول السفر ومشقته وطول الانتظار أمام مكاتب التصويت.

الأداة الثانية: استعمال سلطات الطوارئ

في حالة خسارة ترامب في الانتخابات الرئاسية التي ستُعقد في 18 ربيع الأول 1442هـ (3 نوفمبر 2020م)، فقد يختلق حالة طوارئ تمنحه حق البقاء في الحكم تحت قوانين «سلطات الطوارئ». فقد يدعي مثلا بأن دولا خارجية، وخصوصا الصين، تدخلت في الانتخابات الرئاسية وتلاعبت بالأصوات لصالح مرشح الحزب الديمقراطي. تدخل دول خارجية ضد مصالح أمريكية في الداخل يمكن اعتباره تهديدا للأمن القومي، يمنح للرئيس حق إعلان الطوارئ.

وقد رأينا أمثلة حية على جرأة ترامب في استدعاء سلطات الطوارئ، من بينها إعلان ترامب في 10 جمادى الثانية 1440هـ (15 فبراير 2019م)، حالة طوارئ وطنية حين امتنع الكونغرس التصديق على صرف 8 مليارات دولار لبناء الجدار على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة مع المكسيك، وقد نجح ترامب بهذه الوسيلة الحصول على التمويل لبناء الجدار.

ورأينا كذلك تهديد ترامب باستدعاء قانون الطوارئ لاستخدام الجيش الأمريكي ضد المتظاهرين في الاحتجاجات الشعبية إبان مقتل جورج فلويد.

وقد تطرق تيموثي وِيرْث وتُومْ رُوجرز في مقالهما بشيء من التفصيل للنواحي القانونية والقضائية التي يمكن أن يستند عليها ترامب في حالة إعلانه أن دولة خارجية تلاعبت بنتائج الانتخابات، ليتمكن من البقاء رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، ورجَّحَا أنه إذا خسر ترامب بنسبة قليلة الانتخابات في الولايات التي تُسمى “الولايات المتأرجحة” كـ”أريزونا” و”ويسكونسن” و”ميشيغان” و”بنسلفانيا” (“الولايات المتأرجحة”، أي الولايات التي صوتت للديمقراطيين، لكن بفارق صغير من الأصوات)، فإنه سيعلن أنه تم التلاعب بالانتخابات في تلك الولايات. وإذا ما تم السماح بالاقتراع البريدي، فإنه سيسهل عليه التمسك بهذا الادعاء، إذ التصويت عبر البريد – تبعا لرأي ترامب – يسهل على دول أجنبية اختراقه والتلاعب بالرسائل. ويبدو أن ترامب يمهد فعلا لهذا الاحتمال، حيث صرح قبل ثلاث أسابيع في أحد حملاته الانتخابية أمام حشد من الجمهور، أن الانتخابات القادمة ستكون الأكثر فسادًا في تاريخ الولايات المتحدة.

وحسب تحليل تيموثي وِيرْث وتُومْ رُوجرز، فإنه إذا أعلن ترامب بأنه تم تزوير الانتخابات في “الولايات المتأرجحة”، فإنه ستشل قدرة هذه الولايات على تعيين البرلمانيين الذين يحق لهم تمثيلها (أي الولايات) في مجلسي النواب والشيوخ، كما لن يمكنها تعيين “الناخبين” في «المجمع الانتخابي»، ومن ثم لا يحق لـ”الناخبين” المُشكك في فوزهم الانضمام لما يسمى «المجمع الانتخابي» الذي يتولى مهمة اختيار الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية. في هذه الحالة، بإقصاء النواب و”الناخبين” عن الولايات المتأرجحة التي صوتت ضد ترامب، فإن نسبة الأعضاء الموالين لترامب في «المجمع الانتخابي» سترتفع، بحيث يصبح تقارب بين عدد “الناحبين” الذين سيختارون المرشح الديمقراطي والمرشح الجمهوري (ترامب)، ومن ثم – والمرجح – ألا يصبح بإمكان أي مرشح الحصول على الأغلبية الكافية من أصوات «المجمع الانتخابي» للفوز بمنصب الرئاسة. ووفقا لتيموثي وِيرْث وتُومْ رُوجرز، إذا تعذر اختيار الرئيس الجديد عبر «المجمع الانتخابي»، فإن حق اختيار الرئيس الجديد سينتقل إلى مجلس النواب (حسب ما يمليه الدستور الأمريكي)، لكن بأن يحصل كل وفد على صوت واحد فقط لصالح الولاية، بخلاف التصويت عن طريق «المجمع الانتخابي». وبما أن للجمهوريين حاليا 26 وفدا برلمانيا، مقابل 23 ديمقراطيا، فسيكون الجمهوريون هم الفائزون في التصويت وسيبقى ترامب في منصبه كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية.

هل سيكون دونالد ترامب الرئيس الأمريكي الأول الذي سيخرجه الحرس بالقوة من البيت الأبيض؟

ماذا لو فشلت تكهنات ترامب ومناوراته السياسية والقانونية، وخسر الانتخابات رغم إعلان الطوارئ، وحكمت المحكمة العليا بوجوب تسليمه السلطة للرئيس الديمقراطي المُنتخب، هل سيقبل ترامب بالقرار ويغادر البيت الأبيض؟

«الحدث في العمق» يظن أن ترامب لن يتقبل الهزيمة ولن يعترف بها، نظرا لشخصيته العنيدة والاستبدادية، وغطرسته، وغلوه في حب الذات. وبما أن ترامب يفتقد أيضا لحسن تقدير الأمور، كما حصل مثلا في تعامله مع وباء فيروس التاج ومع المظاهرات ضد مقتل جورج فلويد، فإنه سيظن لتصورات ما أنه على حق، وسيمتنع عن مغادرة البيت الأبيض. هنا ربما نعيش لحظة استثنائية ولأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، حيث سيضطر الحرس الرئاسي – بقرار من المحكمة العليا – الى الامساك بدونالد ترامب ورفعه من ذراعيه ونقله خارج البيت الأبيض.

اقرأ: «تعَرَّف على طريقة اختيار رئيس الولايات المتحدة الامريكية»

مصادر

  1. «كيف يمكن أن يخسر ترامب الانتخابات ويبقى رئيسًا» ( How Trump Could Lose the Election—And Still Remain President ) https://www.newsweek.com/how-trump-could-lose-election-still-remain-president-opinion-1513975
  2. كيف يمكن أن يؤدي طلب بيانات الناخب في جميع أنحاء البلاد إلى قمع الناخبين (How Trump’s nationwide voter data request could lead to voter suppression) https://www.washingtonpost.com/news/wonk/wp/2017/06/30/how-trumps-nationwide-voter-data-request-could-lead-to-voter-suppression/
  3. الرجل الذي يقف وراء هوس ترامب بالاحتيال :The Man Behind Trump’s Voter-Fraud Obsessio    https://www.nytimes.com/2017/06/13/magazine/the-man-behind-trumps-voter-fraud-obsession.html
  4. قمع الناخب هو فضيحة الانتخابات الحقيقية : Voter Suppression Is The Real Election Scandal  https://theintercept.com/2016/10/27/voter-suppression-is-the-real-election-scandal/
  5. يحاول الجمهوريون طرد آلاف الناخبين عن القوائم خلال جائحة (Republicans Are Trying to Kick Thousands of Voters Off the Rolls During a Pandemic) https://www.motherjones.com/politics/2020/04/voter-purges-wisconsin-republican-election/
  6. دليل سلطات الطوارئ واستخداماتها : A Guide to Emergency Powers and Their Use  https://www.brennancenter.org/our-work/research-reports/guide-emergency-powers-and-their-use
  7. النطاق المقلق لسلطات الطوارئ للرئيس :The Alarming Scope of the President’s Emergency Powers  https://www.theatlantic.com/magazine/archive/2019/01/presidential-emergency-powers/576418/
  8. يتنبأ ترامب بـ “الانتخابات الأكثر فسادًا” في تاريخ الولايات المتحدة بينما يقدم ادعاءات كاذبة حول التصويت عبر البريد : Trump predicts ‘most corrupt election’ in US history while making false claims about mail-in voting  https://edition.cnn.com/2020/06/23/politics/donald-trump-mail-voter-fraud-most-corrupt-election/index.html

فهرس

تيموثي وِيرْث = Timothy Endicott Wirth

تُومْ رُوجرز = Tom Rogers

“محرك الإعلام” = Engine Media

مجلة “نيوز ويك” = Newsweek magazine

“المجمع الانتخابي” = Electoral College

Print Friendly, PDF & Email
اظهر المزيد

مجلة التنوير

موقع مستقل منبر للتحليل العميق للأحداث في العالم منصة لتنوير العقول وإحياء القلوب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى