حدث الساعة

أردوغان بين مسجد آيا صوفيا وضريح أتاتورك

اقرأ في هذا المقال
  • «إنه الإسلام الصوفي، الذي يفصل بين الحكم والدين، ولا يعرف من الإسلام إلا الشعائر التعبدية، ومن ثم لا يجد تناقضا في العمل بأفكار ومبادئ أتاتورك حين يتعلق الأمر بالحكم، ويُقتصر إظهار غيرة على الإسلام وحب له فقط حين يتعلق الأمر بالشعائر التعبدية ومظاهرها كالصلاة والمساجد وتلاوة القرآن»

هذا ما قاله أردوغان عن مسجد آيا صوفيا ومحمد الفاتح

على إثر قرار القضاء التركي إلغاء قرار مجلس الوزراء الصادر عام 1353هـ (1934م)، الذي قضى بتحويل آيا صوفيا في مدينة إسطنبول من مسجد إلى متحف، ألقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خطاباً يوم 20 ذي القعدة 1441هـ (10 يوليو 2020م)، ثمَّن فيه قرار المحكمة، حيث قال: [في الواقع لم يكن هذا القرار الذي اتُّخذ خلال فترة الحزب الواحد عام 1934 خيانة للتاريخ فحسب، بل أيضاً ضد القانون، لأن آيا صوفيا ليست ملكاً للدولة ولا أي مؤسسة، فهي ملك لوقف السلطان محمد الفاتح].

وأضاف أردوغان قائلا في خطابه بخصوص إعادة آيا صوفيا مسجدا: [يقول السلطان محمد الفاتح في واحدة من مئات صفحاته الوقفية التي يرجع تاريخها إلى 1 يونيو/حزيران 1453، ما يلي: «أي شخص غيّر هذه الوقفية التي حولت آيا صوفيا إلى مسجد، أو بدّل إحدى موادّها، أو ألغاها أو حتى عدّلها، أو سعى لوقف العمل بحكم الوقف الخاص بالمسجد من خلال أي مؤامرة أو تأويل فاسق أو فاسد، أو غيّر أصله، واعترض على تفريعاته، أو ساعد وأرشد من يفعلون ذلك، أو ساهم مع من فعلوا مثل هذه التصرفات بشكل غير قانوني، أو أخرج آيا صوفيا من كونه مسجداً، أو طالب بأشياء مثل حق الوصاية من خلال أوراق مزوَّرة، أو سجّله (المكان) في سجلاته عن طريق الباطل أو أضافه إلى حسابه كذباً، أقول في حضوركم جميعاً إنه يكون ارتكب أكبر أنواع الحرام واقترف إثماً.

ومَن غيّر هذه الوقفية شخصاً كان أو جماعة، فعليه أو عليهم إلى الأبد لعنة الله والنبي والملائكة والحكام وكل المسلمين أجمعين، ونسأل الله ألا يخفف عنهم العذاب، وألا ينظر إلى وجوههم يوم الحشر، ومن سمع هذا الكلام، وواصل سعيه لتغيير ذلك، فسيقع ذنبه على من يسمح له بالتغيير، وعليهم جميعاً عذاب من الله، والله سميع عليم»].

[وسبق أن أصدرت الحكومة في فترة الحزب الواحد (في بداية تأسيس الجمهورية التركية) بالبلاد]، أضاف أردوغان قائلا، [مرسوماً وضعت فيه قاعدة أن تكون المسافة بين مسجد ومسجد 500 متراً على الأقلّ، لتغلق آيا صوفيا بذلك أمام العبادة. وبعد فترة، وبتاريخ 1 فبراير/شباط 1935، أُعلِنَ عن تحويل المكان إلى متحف وفتحه أمام الزوار.

وخلال السنوات التي أغلقت فيها آيا صوفيا أمام العبادة تعرضت لجور عظيم، لقد هدموا مدرسة آيا صوفيا، وهي المدرسة التي بناها السلطان محمد الفاتح بجانب البناء، وكانت تُعَدّ أول جامعة عثمانية، وذلك دون سبب، ثم قطّعوا السجاد النادر المفروش في أرضيتها، ووزعوه يمنة ويسرة، وأخذوا الشموع العتيقة إلى المسبك لصهرها].

واسترسل أردوغان قائلا: [وتحوُّل آيا صوفيا، تلك الأمانة التي تركها لنا الفاتح، إلى مسجد بعد 86 عاماً، ما هو إلا انتفاضة جديدة متأخرة، وهذا المشهد بمثابة أجمل ردّ على الاعتداءات والهجمات الوقحة التي تستهدف قيمنا الرمزية في كل أنحاء العالم الإسلامي] (انتهى الاقتباس من خطاب أردوغان عن آيا صوفيا الذي ألقاه يوم 20 ذي القعدة 1441هـ /10 يوليو 2020م).

كان هذا هو الكلام الذي قاله أردوغان بمناسبة إعادة آيا صوفيا مسجدا.

«اقرأ أيضا: المسلمون بين العواطف والبطولات والانتصارات الوهمية»

وهذا ما قاله أردوغان مؤخرا على ضريح أتاتورك

لكن أياما فقط بعد الخطاب عن مسجد آيا صوفيا ويوم فقط قبل أداء أول صلاة جمعة في مسجد آيا صوفيا، وبالضبط يوم الخميس 3 ذي الحجة 1441هـ (23 يوليو 2020م)، زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضريح مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك في العاصمة أنقرة، برفقة أعضاء مجلس الشورى العسكري الأعلى، وضع إكليلًا من الورود على ضريحه، ووقف دقيقة صمت، ثم كتب أردوغان في الدفتر الخاص بضريح مؤسس الجمهورية أتاتورك: [أتاتورك العزيز، نحن أعضاء هذا المجلس نقف أمام ضريحك بمناسبة اجتماع مجلس الشورى العسكري الأعلى لعام 2020. حيث نواصل العمل من أجل تحقيق الأهداف المنشودة لعام 2023 للجمهورية التركية التي أسستموها وأوكلتموها لنا. إن الإنجازات التاريخية التي حققناها على جبهات مختلفة بدء من سوريا وليبيا ووصولا إلى شرق البحر المتوسط ​​ومكافحة الإرهاب تظهر بوضوح قوة بلدنا وقدرات جيشنا. إن القوات المسلحة التركية تواصل ضمان أمن وبقاء وطننا ضد الحاقدين والحاسدين، بفضل انضباطها العالي ووعيها بوظيفتها وقوة ردعها وقدراتها.

ختاما استذكر سيادتكم وكافة شهدائنا ومحاربينا القدامى، وآمل أن تسفر أعمال المجلس عن نتائج مبشرة لبلدنا وأمتنا وقواتنا المسلحة. ولتنعم روحك بالسلام].

«اقرأ: أعضاء الشورى العسكري الأعلى يزورون ضريح “أتاتورك”.. ماذا كتب أردوغان على الدفتر؟»

أردوغان بين مسجد آيا صوفيا وضريح أتاتورك

نفس الشخص، أتاتورك، الذي استشهد “ضده” أردوغان (ربما دون أن يكون واعيا بذلك) بكلام محمد الفاتح عند إعلان آيا صوفيا مسجدا، قائلا، أنه: [من أخرج آيا صوفيا من كونه مسجداً، فإنه يكون ارتكب أكبر أنواع الحرام واقترف إثماً. ومَن غيّر هذه الوقفية شخصاً كان أو جماعة، فعليه أو عليهم إلى الأبد لعنة الله والنبي والملائكة والحكام وكل المسلمين أجمعين، ونسأل الله ألا يخفف عنهم العذاب، وألا ينظر إلى وجوههم يوم الحشر] (ا.هـ)، هو نفسه – أي أتاتورك – الذي خاطبه أردوغان البارحة بـ“أتاتورك العزيز” ودعا له بأن “تنعم روحه بالسلام“.

وأردوغان الذي قال بأن محمد الفاتح أوكل إليه أمانة مسجد آيا صوفيا، حيث قال: [وتحوُّل آيا صوفيا، تلك الأمانة التي تركها لنا الفاتح، إلى مسجد بعد 86 عاماً، ما هو إلا انتفاضة جديدة متأخرة، وهذا المشهد بمثابة أجمل ردّ على الاعتداءات والهجمات الوقحة التي تستهدف قيمنا الرمزية في كل أنحاء العالم الإسلامي]، هو نفسه أردوغان الذي تحدث البارحة أمام قبر أتاتورك عن أمانة أخرى أوكلها إياه هذه المرة أتاتورك، حيث كتب في الدفتر الخاص بضريح مؤسس الجمهورية مصطفى كمال: [نواصل العمل من أجل تحقيق الأهداف المنشودة لعام 2023 للجمهورية التركية التي أسستموها وأوكلتموها لنا].

فهل يجتمع إرث محمد الفاتح المسلم مع إرث أتاتورك العلماني المحارب للإسلام؟ وهل يمكن أن يسعى شخص لتحقيق أهداف أتاتورك العلمانية وأهداف محمد الفاتح الإسلامية؟ أليس أتاتورك هو الذي تشمله لعنة محمد الفاتح وذمه؟ وأليس أتاتورك هو من حارب الإسلام الذي فتح على أساسه محمد الفاتح القسطنطينية؟

من نصدق إذًا، أردوغان على مسجد آيا صوفيا، أم أردوغان على ضريح مؤسس الجمهورية مصطفى كمال؟ 

أم هو الإسلام الصوفي، الذي يفصل بين الحكم والدين، ولا يعرف من الإسلام إلا الشعائر التعبدية، ومن ثم لا يجد تناقضا في العمل بأفكار ومبادئ أتاتورك حين يتعلق الأمر بالحكم، ويُقتصر إظهار غيرة على الإسلام وحب له فقط حين يتعلق الأمر بالشعائر التعبدية ومظاهرها كالصلاة والمساجد وتلاوة القرآن. ومن هذا المنطلق يُمَجَّد محمد الفاتح حين يتعلق الأمر ببناء المساجد، ويُمَجَّد أتاتورك حين يتعلق الأمر بالعلمانية والقومية!؟

Print Friendly, PDF & Email
اظهر المزيد

مجلة التنوير

موقع مستقل منبر للتحليل العميق للأحداث في العالم منصة لتنوير العقول وإحياء القلوب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Enter Captcha Here : *

Reload Image

زر الذهاب إلى الأعلى