وباء فيروس التاج زاد تعرية حقيقة فوضوية النظام الحاكم في المغرب

أصدرت الحكومة المغربية البارحة، الأحد 5 ذي الحجة 1441هـ (26 يوليو 2020م)، بشكل مفاجئ في الساعة السادسة مساء، قرارا بالمنع شبه الفوري للتنقل من وإلى ثمانية مدن، وهي: طنجة، تطوان، فاس، مكناس، الدار البيضاء، برشيد، سطات ومراكش، بحيث يصبح ممنوعا السفر من أو الى تلك المدن ابتداء من منتصف الليل، فلم يكن أمام آلاف الناس إلا 4 ساعات لمغادرتها والرجوع الى المدن التي يقطنوها، أو للرجوع إليها إن كانت هي مقر إقامتهم، قبل أن يتم إغلاق المداخل والمخارج منها.
وقد أحدث هذا القرار العشوائي المفاجئ فوضى عارمة، وتسبب في عدد كبير من حوادث السير، لأن الناس كانوا يسعوا للخروج أو الدخول قبل منتصف الليل الى المدن التي قُرِّر إغلاقها، ومن ثم اضطروا للسياقة بسرعة عالية، وعدم احترام إشارات المرور، وعدم الاكتراث لشروط السلامة. كما أن القرار أدى للاكتظاظ في محطات النقل العام، واستغل مُلاّك حافلات وسيارات النقل حالة الهلع الجماعي، لرفع الأسعار أضعافا مضاعفة. كما استغل المجرمون الفوضى وحاجة الناس للنقل، ليقوموا بعمليات السطو المسلح والسرقة.
قرار الإغلاق المفاجئ هذا، الذي لم يعطي للناس مهلة 3 أيام على الأقل قبل تنفيذ القرار، ما هو إلا محطة ضمن سلسلة من القرارات والإجراءات العشوائية اللاعقلانية الديكتاتورية الغير مسئولة لهذا “اللاَّنظام” (وليس النظام) المغربي منذ اندلاع وباء فيروس التاج، فهذا “اللانظام المغربي” لا يعير أي اعتبار لقيمة البشر الذين يحملون الجنسية المغربية، يعاملهم كالبهائم، يهشهم يمينا وشمالا متى شاء وكيفما شاء.
منذ اللحظة الأولى، لم يتعامل “اللاّنظام المغربي”، مثله مثل كثير من الأنظمة في العالم الإسلامي، مع الوباء تعاملا طبيا وعلميا وإنسانيا وإغاثيا، بل تعامل معه بطريقة أمنية محضة، وكأنه في حرب ضد الشعب، وكأنه يقوم بتدريب جهازه الأمني القمعي على سيناريو قد يقع في المستقبل يستدعي فرض حالة الطوارئ والحجر العام على الشعب (مثلا إذا قامت انتفاضة شعبية أو ثورة، أو إذا وقع اختلاف أو صراع داخل الأسرة الملكية الحاكمة بعد وفاة الملك الحالي). فقد أطلقت السلطة المغربية ما يسمى بـ”المخزن” (أعوان السلطة التنفيذية)، وعلى رأسهم ما يسمى في المغرب بـ”المقدم” (أحد عيون السلطة على حي من الأحياء السكنية)، ليمارسوا الإرهاب على الناس، فيشتموا هؤلاء، ويضربوا أولئك، ويعتقلون آخرين، ويكسروا ممتلكات الناس وبضائعهم، الخ. أطلقت دولة اللاّنظام في المغرب المخزن ليطارد الناس في الشوارع والأزقة، كما تطارد الكلاب فريستها.
منذ اللحظة الأولى وإجراءات المغرب المتعلقة بوباء فيروس التاج، إجراءات ارتجالية، يقلد فقط خطوات دول غربية وعلى رأسها فرنسا، لكن حتى التقليد كان تقليدا خاطئا قاصرا متطرفا. فمثلا اتخذ المغرب في 1 شعبان 1441هـ (25 مارس 2020م) قرارا باعتماد دواء الكلوروكوين كالعلاج الوحيد والرسمي للمصابين بفيروس التاج، وذلك بناء على تقرير طبي فرنسي، وليس لتجارب وفحوصات قام بها أهل الاختصاص في المغرب. في المقابل لم تعتمد دول الغرب، ومنها فرنسا، دواء الكلوروكوين كالدواء الوحيد والرسمي للعلاج، بل كانت تستعمله وتستعمل غيره من الأدوية في إطار مرحلة التجارب السريرية، وليس كدواء رسمي ثابت المفعول. وغالب الدول الغربية توقفت لاحقا عن استعمال دواء الكلوروكوين، لما تبينت أعراضه الجانبية الخطيرة، مع عدم إظهاره لفعالية ضد العدوى.
«اقرأ: فرنسا تلغي استخدام عقار هيدروكسي كلوروكين في علاج المصابين بفيروس كورونا»
كما أن من الإجراءات العشوائية الجنونية التي اتخذها المغرب ضمن إجراءات الحظر، هو منع التجول ابتداء من السادسة مساء. فهذا إجراء أحمق، فهل الفيروس ينشط في الليل فقط، ومن ثم يجوز للناس التجول بحرية وبدون وقاية في النهار، لكن عليهم التزام البيوت في المساء والليل؟ أليس في اللانظام المغربي رجل رشيد، يقول لهم هذا إجراء أحمق؟
هل سيُظهِر وزير الداخلية المغربي احتراما للشعب فيعتذر له ويستقيل من منصبه؟
في يوم الجمعة 17 شعبان 1441هـ (10 أبريل 2020م) اتخذت الحكومة التركية قرارا عشوائيا مفاجئا، مشابها لقرار المغرب الأخير بإغلاق ثمانية مدن، حيث أصدرت وزارة الداخلية التركية قرار فرض حظر التجول الكامل في 31 ولاية بالبلاد قبل ساعتين فقط من دخوله حيز التنفيذ، مما أدى إلى تدفق حشود كبيرة إلى الشوارع سعيا لشراء المواد الغذائية، دون أخذ تدابير التباعد الاجتماعي بعين الاعتبار. فأدى ذلك لحالة من الهلع والفوضى وإطلاق نار في بعض الشوارع، إضافة إلى مشاجرات أمام محلات البقالة وأفران الخبز، بسبب نقص في الغذاء. فقد أخفقت وزارة الداخلية التركية في اختيار الزمن واليوم الذي يبدأ فيه الحظر، حيث اختارت نهاية الأسبوع التي يعتاد فيها الناس شراء ما يحتاجونه من مواد غذائية للأسبوع، كما أنها لم تعطي مهلة كافية ليستعد الناس لإجراءات الحظر.
بعد أقل من يومين من إصداره القرار المشؤوم، وبسبب الفوضى والاضطراب والهلع الذي تسبب فيه، اعتذر وزير الداخلية التركي عن التسرع في اتخاذه القرار، وقدم استقالته. فهل سيكون لدى وزير الداخلية المغربي، عبد الوافي لفتيت، شيئا من الاحترام للشعب المغربي، فيطلب منه الاعتذار ويقدم استقالته؟
ولماذا لم تستفد الحكومة المغربية من الخطأ الكارثي الذي قامت به تركيا قبل بضعة أشهر؟ العاقل هو الذي يدرس تجارب الغير ويستفيد منها، بحيث لا يعيد نفس الأخطاء.
خاتمة ونصيحة
الأصل في قرار حكومي من هذا النوع أن تُراعَى فيه ظروف الناس وحاجاتهم، وتُراعي الحكومة ألا يُحدث تنفيذ القرار فوضى وهلع لدى الناس، واضطراب، فتكون نتائجه عكسية.
فالأصل أن تُعطى مهملة ثلاثة أيام على الأقل، قبل بدء تنفيذ القرار، كما تترك الحكومة – حتى بعد دخول القرار حيز التنفيذ – المجال مفتوحا للذين يقطنون بتلك المدن المُراد إغلاقها، ليرجعوا إليها، فقد يتعذر لأسباب موضوعية (كالعمل، أو التجارة أو المرض) قدرة البعض على العدوة قبل انتهاء مهلة ثلاثة أيام. فالقرارات يجب أن تتعامل مع الناس كبشر، تراعي ظروف كل فرد منهم، فلا تعاملهم كقطيع أكباش ليست لديهم أية حياة خاصة ومصالح، تهشهم كيف شاءت ومتى شاءت، وعليهم الاستجابة على الفور.