وقفة مع حادثة سرقة علانية جماعية للأضاحي في سوق شعبي بالمغرب

انتشر يوم قبل عيد الأضحى لهذه السنة (1441هـ / 2020م) على وسائل التواصل الاجتماعي تسجيلات مرئية لحشود من الناس ترمي تجارَ المواشي بالحجارة في أحد أسواق مدينة الدار البيضاء بالمغرب، وتسرق أغنامهم في عز النهار وأمام الملأ. المنظر كان مروعا ومُخجلا، يصعب تصديقه لو لم تكن آلات التصوير التي نقلت الحدث بالصوت والصورة. الحادثة وقعت على خلفية ارتفاع أثمان الأكباش التي تراوحت بين 500 و900 درهم مغربي للكبش الواحد. هذه الحادثة يجب تناولها من عدة أوجه:
سرقة الأضاحي تدل على جهل مدقع بأبسط أحكام الإسلام، والنظام الحاكم يتحمل قسطا كبيرا من المسؤولية
{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (سورة الأنعام)، وقال سبحانه: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} (سورة الحج). فعيد الأضحى هو أحد نسك وشعائر الإسلام التي يتقدم فيها المسلم بأطيب ما يقدر عليه ليضحي به تقربا إلى الله، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله تعالى طَيِّبٌ لا يقبل إلا طيبًا» (صحيح مسلم)، وقال سبحانه {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} (سورة الحج)؛ وإحياءً لسُنَّة نبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ، وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ، وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} (سورة الصافات)؛ وحمدا لله على إتمام نعمته علينا بالإسلام، إذ يُذكّرنا عيد الأضحى بيوم إكمال الله نعمته علينا وإتمامها، لأنه يجيء بعد يوم عرفة الذي أَنزل الله فيه على الرسول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} (سورة المائدة). والله سبحانه لا يقبل التقرب إليه بالمعاصي والمال الحرام، لا يقبل سبحانه التقرب إليه بأضحية مسروقة؛ وكيف يقبل سبحانه ذلك وهو الذي قال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، وقال: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلك لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (سورة المائدة). كل فرد عاقل بالغ يحمل وزر جهله بأحكام الإسلام وأفعاله المخالفة للشرع، وسيحاسبه الله على ذلك، لكن النظام الحاكم مسؤول أيضا على ما وصل إليه الناس من فقر وجهل وعنف وفوضى، ويتحمل ولا شك وزرا أكبر، فالله سبحانه قال: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ} (سورة النمل)؛ وقال الرسول: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» (صحيح البخاري ومسلم). وقال عليه الصلاة والسلام: «مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ لَا يَجْتَهِدُ لَهُمْ وَلَا يَنْصَحُ لَهُمْ إلَّا لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ» (صحيح مسلم).
أُضحية العيد ليست فريضة، والرد على غلائها يكون بالامتناع عن شرائها وليس بسرقتها
هناك اختلاف بين الفقهاء في ذبح الأضحية في العيد، هل هو واجب أو مستحب، والرأي الأقوى، بعد جمع كل الأحاديث المتعلقة بعيد الأضحى، يرجح بشكل كبير القول بالاستحباب، ومن تلك النصوص، ما رواه أبو هريرة عن النبي، أنه قال: “مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ، فَدَخَلَ الْعَشْرُ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا بَشَرَتِهِ شَيْئًا” (صحيح مسلم). فقوله صلى الله عليه وسلم (مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ): دليل واضح على التخيير، أي أن المسلم مخير أن يضحي أو لا. وهناك ما رواه البيهقي في “معرفة السنن والآثار”، أَن أَبا سَرِيحَةَ قَال: “أَدْرَكْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَكَانَا لِي جَارَيْنِ وَكَانَا لَا يُضَحِّيَانِ“. ورَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْن، وَأَنَا (أي أنَسٌ) أُضَحِّي بِهِمَا، وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ مَخَافَةَ أَنْ يُرَى ذَلِكَ وَاجِبًا (“المهذب في الفقه الشافعي” للشيخ أبي إسحاق الشيرازي). فإن كانت الأضحية ليست واجبة حتى في الرخاء، ولا حتى على من قدر عليها ماديا، فما بالك لو كان ثمن الأُضحية مرتفعا، فالأولى هنا أن يمتنع المسلمون عن شراء الأضحية، سواء كان غلائها طبيعيا لارتفاع تكاليف تربيتها وعلفها أو كان نتيجة لشجع التجار. وهذا الامتناع عن شرائها جائز شرعا ولا غضاضة فيه؛ ومن أراد الأجر، فليتصدق على المحتاجين بالمال الذي كان يريد إنفاقه على الأضحية. أما سرقة المواشي من أصحابها، فجريمة عظيمة يعاقب الله عليها أشد العقاب. فالسارق ليس فقط أن الأضحية لا يقبلها الله منه بحال، ولا أجر له فيها، بل ويأثم عليها إثما عظيما.
ترويع الحيوانات إثم يحاسب الله عليه
والمجرمون الفوضويون لم يقتصر اعتدائهم على مُلاك الأغنام فحسب، بل تعدى جُرمهم ليطال الأغنام وذلك بما تسببوا في ترويعها. ترويع الحيوانات وإيذائها من المحرمات التي نهى الله عنها ويعاقب من قام بها. فعن عَبْد الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً (نوع من الطيور) مَعَهَا فَرْخَانِ، فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتْ الْحُمَرَةُ فَجَعَلَتْ تُفَرِّشُ من الأَرْضِ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال: «مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا» (رواه أبو داود وصححه الألباني).
النظام الحاكم في المغرب لا يقوم بواجبه لا في حماية الممتلكات من السرقة ولا في حماية الناس من الغلاء
سرقة المواشي تمت في سوق شعبي في المدينة في وضح النهار وأمام الملأ، وعملية الاعتداء على التجار أصحاب المواشي برشقهم بالحجارة وسرقة أغنامهم، امتدت على مدى وقت طويل، فأين كانت الشرطة طوال ذلك الوقت؟ لماذا لم تتدخل بسرعة لإيقاف الفوضى وحماية ممتلكات التجار وإلقاء القبض على المجرمين؟ أم أن وظيفة “رجال الأمن” تكمن فقط في حماية الأغنياء وأصحاب السلطان في المغرب؟ ثم كيف لا تتدخل الدولة لحماية الناس من الغلاء المُتَعمد، وهي تعلم أن مستوى دخل غالبية الناس لا يسمح لها بتحمل تلك الأسعار، وخصوصا أنه في الغالبية الساحقة من حالات رفع الأسعار (في المغرب ومختلف البلدان الإسلامية)، لا يكون ذلك الغلاء نتيجة طبيعية لارتفاع تكاليف إنتاج تلك المواد أو الخدمات، ولكن يكون سببه طمع وشجع التجار، أو بسبب إملاءات البنك الدولي، أو بسبب رفع الدولة للضرائب، أو بسبب سياسات مالية واقتصادية فاسدة للدولة أو لبعض الشركات. فهل يتحمل المستهلك نتيجة سوء تدبير الدولة أو الشركات؟ سؤالي (كيف لا تتدخل الدولة لحماية الناس من الغلاء المُتَعمد)، كان سؤالا استنكاريا فقط، فالكل يعلم أن النظام الحاكم في المغرب، مثله مثل كل أنظمة سايكس بيكو في العالم الإسلامي، لا يعير أي اهتمام للشعب، فتلك الأنظمة لم توجد لخدمة الناس، بل لقمعها وتجهيلها ومنعها من التحرر والتقدم، فهي لا يهمها قضاء حاجات الناس، وتوفير حياة كريمة لهم بتمكين كل فرد من كل الضروريات في الحياة من أكل وشرب ومسكن وعلاج وتعليم وحماية ممتلكاتهم وأعراضهم. فالنظام الحاكم في المغرب يمارس هو نفسه سياسات النهب، ويحمي جشع الشركات الغربية وأصحاب رؤوس المال المقربين من دوائر الحكم، ويمَكِّنهم من تحصيل أكبر نسبة ممكنة من الربح ولو كان على حساب إفقار الناس.
النظام الحاكم تنطبق عليه مقولة “حاميها حراميها”
بل جبروت وطغيان النظام الحاكم في المغرب بلغ دروته حين أعلن أنه مُقبل على إقرار قوانين تجرم من يحتج من الناس حتى بطرق سلمية على الظلم ومن يوثق الظلم والجرائم والفساد بتسجيلات وينشرها. فالنظام يمارس الظلم والسرقة بطريقة مُمَنهجة، ومن ثم يريد حماية جرائمه بـ”القانون”. فمن بين ما تضمَّنه مشروع قانون 22.20 في المغرب: «يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 5000 إلى 50 ألف درهماً أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، من قام عمداً عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو عبر شبكات البث المفتوح أو عبر الشبكات المماثلة بنشر محتوى إلكتروني بالدعوة إلى مقاطعة بعض المنتوجات أو البضائع أو الخدمات أو القيام بالتحريض على ذلك». كما تضمن قانون 22.20: «يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 5000 إلى 50 ألف درهماً أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، من قام عمداً عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو عبر شبكات البث المفتوح أو عبر الشبكات المماثلة بنشر محتوى إلكتروني يحمل العموم أو تحريضهم على سحب الأموال من مؤسسات الائتمان أو الهيئات المعتبرة في حكمها». وتضَمَّن مشروع “قانون تكميم الأفواه”، كما أطلق عليه الناس: «يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وغرامة من 3000 إلى 30000 درهم أو بإحدى العقوبتين، من قام عمدا عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو شبكات البث المفتوح أو عبر الشبكات المماثلة بوضع أو نقل أو بث أو نشر محتوى إلكتروني ذي طابع عنيف من شأنه المساس بالسلامة النفسية والجسدية للقاصرين وذوي العاهات العقلية». كما تضمن بندا يقول ل: «يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2000 إلى 20000 درهم أو بإحدى العقوبتين فقط، من قام عمدا عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو شبكات البث المفتوح أو عبر الشبكات المماثلة، بنشر أو ترويج محتوى إلكتروني يتضمن خبراً زائفاً من شأنه التشكيك في جودة وسلامة بعض المنتجات والبضائع وتقديمها على أنها تشكل تهديداً وخطراً على الصحة». ولا ننسى كيف تصدى النظام الحاكم في المغرب لاحتجاجات الشعب السلمية ضد ارتفاع أسعار المياه المعدنية والحليب والوقود سنة 1439هـ (2018م)، حين أطلق الناس في المغرب حملة مقاطعة تلك المواد، حملة أُطلقت تحت مسمى «خليها تريب» (أي «اتركها تفسد»)، فوصف النظام الحاكم المقاطعين بالخونة وجَرَّمهم، وتابع نشطاء وإعلاميين شاركوا في حملة المقاطعة وروجوا لها.
«اقرأ أيضا: أخنوش.. الوزير الأكثر نفوذا بالمغرب وقع ضحية لمقاطعة شركته»
فمن بين أهداف مشروع قانون 22.20 في المغرب، حماية النظام من المحاسبة، وتقنين الظلم، وحماية رجال الأمن من المحاسبة حين يعتدون على الناس بالضرب أو السب، وحماية الفاسدين والمحتكرين الذين يتبعون للطبقة الحاكمة في البلاد. هدف القانون هو تقنين ما هو معمول به أصلا: منع كل أنواع الاحتجاج على الظلم، ومعاقبة من يفعل ذلك، وما “حراك الريف” عنا ببعيد، حيث عُذِّب وسُجن أناس قاموا بانتفاضة سلمية ضد الظلم والتهميش.
«المغرب: ناصر الزفزافي يتحدث مجددا عن تعرضه للتعذيب في تسجيل صوتي من محبسه»
النظام الحاكم في المغرب، مثله مثل باقي الأنظمة العربية، يريد إبقاء الناس مجرد قطيع من البهائم، ليس لهم أي رأي أو مطالب، يُقادون حيث شاء الحكام، ولا يجوز لهم حتى الشكوى من آلام الظلم، بل عليهم تقبله بصدر رحب وبابتسامة. النظام الحاكم في المغرب، مثله مثل كل الحكام في العالم الإسلامي، غَاشُّون لشعوبهم، منتهكون لحقوقهم وممتلكاتهم وأعراضهم، غير عاملين على صلاحهم، بل ساعون في هلاكهم. هؤلاء الحكام الظلمة، قال عنهم الرسول: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ»، وقال عنهم صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ» (صحيح مسلم).
«اقرأ أيضا: وباء فيروس التاج زاد تعرية حقيقة فوضوية النظام الحاكم في المغرب»