مغالطات الدكتور عبد الله النفيسي في كلمته عن التطبيع

خرج الدكتور عبد الله النفيسي مؤخرا في شريط مرئي مدته حوالي 15 دقيقة، ليصدر ما يشبه فتوى بخصوص التطبيع مع إسرائيل.
عبد الله النفيسي متخصص في العلوم السياسية، وبنيته المعرفية المتعلقة بالفقه – كما يظهر لكل من اطلع على منشوراته وحواراته – لا تأهله البتة لإصدار فتاوى، فهو لا يتوافر البتة على أدوات البحث الفقهي. ومن ثم كانت “فتواه” عن التطبيع مع إسرائيل تَقَوُّل سخيف جدا، ,مغالطات – لكيلا أقول كذب – فيما ذكره. والغريب أنه أخفق في كلمته حتى في موضوعات متعلقة بالسياسة والتاريخ التي الأصل أنه من أهل الاختصاص الأكاديمي فيها. وإليكم التفاصيل.
https://twitter.com/DrAlnefisi/status/1294673363730870278?s=20
بدأ الدكتور النفيسي كلمته بالادعاء أن علماء المسلمين أجمعوا على جواز “الصلح المؤقت مع اليهود”. واستشهد النفيسي بصلح الحديبية واتفاقات الرسول مع يهود المدينة. وهذا الكلام يحتوي على كذب، ناهيك عن أنه لا يرقى ليُعتبر فتوى، وذلك لافتقاده لأبسط معايير الفقه والفتوى. فمن أهم شروط الفتوى وإصدار حكم شرعي، هو دراسة الواقع دراسة دقيقة مفصلة، ثم البحث عن كل النصوص من القرآن والسنة التي تتطرق لمثل ذلك الواقع، ثم تبيان مناط الحكم، أي علة الحكم الشرعي في المسألة الأصلية، ثم النظر إن تحققت نفس العلة أو العلل في المسألة الجديدة المُراد الوصول لحكم شرعي فيها.
بطلان الاستشهاد بصلح الحديبية ومعاهدات الرسول مع يهود المدينة لتجويز “صلح مؤقت مع إسرائيل”
فيما يخص ادعاء النفيسي بإجماع العلماء على جواز “الصلح المؤقت مع اليهود”، فهذا كذب. أين وجد النفيسي الإجماع على هذه العبارة “الصلح المؤقت مع اليهود”؟
الذي أجمع عليه علماء المسلمين منذ القِدَم هو جواز “الصلح المؤقت”، لكن لم يذكروا “مع اليهود”. فلماذا أضاف النفيسي عبارة “مع اليهود”، ليقول أجمع العلماء على “الصلح المؤقت مع اليهود” وينسب هذا القول الباطل للعلماء؟
ثم إن “الصلح المؤقت” الذي أجمع عليه العلماء، هو صلح مع دولة شرعية ليست غاصبة لبلاد المسلمين ولا محاربة لهم ولدينهم ولا تقتل أبنائهم وتغتصب أرضهم. فالدليل الأهم الذي استند إليه العلماء في جواز “الصلح المؤقت”، هو صلح الحديبية. وصلح الحديبية لم يكن مع اليهود، ولكن مع قريش المشركة. وقريش كانت كيانا شرعيا في جزيرة العرب، لم يكن محتلا لبلاد المسلمين، ومن ثم لا ينطبق صلح الحديبية على إسرائيل اليوم. فمن يريد إصدار حكم بخصوص إسرائيل، عليه الأخذ بالاعتبار حقيقة إسرائيل وواقعها، ثم يبحث عن نصوص من القرآن والسنة تنطبق على واقع إسرائيل، والذي يختلف قطعا وجملة وتفصيلا عن واقع قريش لما صالحهم الرسول في الحديبية صلحا مؤقتا لا يتجاوز عشرة سنوات.
ثانيا، استشهد النفيسي بمعاهدات الرسول مع يهود المدينة ومحيطها، وهذا أيضا استشهاد في غير محله. فالرسول لم يكن في حرب مع يهود المدينة ليصالحهم، بل كانت تلك القبائل اليهودية موجودة بطريقة شرعية في المدينة ومحيطها حتى قبل بعثة الرسول، كانوا موجودين قبل نشأة دولة الرسول. فالرسول أقام معهم معاهدات – وليس صلحا – ككيانات شرعية غير مغتصبة لبلاد المسلمين. وكانت في تلك المعاهدات خدمة للإسلام ودولته في المدينة، وحماية لها، فقد أخذ عليهم الرسول العهد بألَّا يحاربوا المسلمين، وألَّا يتحالفوا مع قريش أو أي دولة أو قبيلة ضد المسلمين، وألَّا تُستعمل بلادهم للقيام بأي أعمال عدائية ضد دولة المسلمين. ولما خالفوا العهود، حاربهم الرسول وأزال كياناتهم. فهل هناك أي شيء من هذه التفاصيل ينطبق على إسرائيل اليوم، ليستشهد النفيسي وأمثاله بمعاهدات الرسول مع اليهود، من أجل تجويز “صلح مؤقت مع اليهود”؟
أنا لست هنا بصدد إصدار فتوى أو حكم شرعي بخصوص كيفية التعامل مع إسرائيل، فهذا أتركه لأهل الاختصاص في الفقه، أهل الاختصاص الذين ليس لديهم علم شرعي راسخ فحسب، بل كذلك تقوى وخوف من الله وحده، ولا يفتون حسب إرادة الحاكم.
لكن الذي يهمني هنا هو تبيان بطلان فتوى “الصلح المؤقت مع اليهود” استنادا لصلح الحديبية ومعاهدات الرسول مع يهود المدينة، إذ واقع دولة إسرائيل اليوم يختلف كلية عن واقع قريش وواقع القبائل اليهودية في المدينة. فأهم شروط تنزيل نصوص من القرآن والسُّنة على واقعٍ، هو توافر ذلك الواقع على نفس العلة التي رُتِّب عليها الحكم في الأصل.
وكذلك يجب التفريق بين أحكام الهدنة المؤقتة المتعلقة بالحرب والقتال، وبين الصلح المؤقت. فالذي أظن، هو أن مسألة دولة إسرائيل تُبحث شرعا من باب “وقف مؤقت لإطلاق النار”، وليس من باب “الصلح” ولو كان صلحا مؤقتا، لأن الصلح يعني بداهة إعطاء الشرعية للكيان الذي تصالحه والاعتراف به والاقرار بما يزعم أنه ملك له. أما الهدنة القتالية المؤقتة، فهي وقف للقتال لفترة محددة، دون إقرار أي طرف بشرعية الطرف الآخر فيما يقاتل من أجله. فالصراع والخلاف يبقيان قائمان، مع وقف القتال لفترة.
ثم إن “الصلح المؤقت” مع دول شرعية، له أيضا شروطه، فلا يجوز البتة الحديث عن الصلح وتجويزه هكذا على عمومه دون قيد وشرط، دون الخوض أولا في التفاصيل وتحديد الشروط حسب تلك التفاصيل. فـ”الصلح المؤقت” مع دول شرعية، لا يجوز شرعا إلا تحت شروط ليس فيها ضرر على الإسلام والمسلمين. أما بالنسبة لإسرائيل، فبالإضافة الى أنها ليست دولة شرعية، فمعاهدات “السلام” التي أقامتها وتقيمها دويلات سايكس بيكو في العالم الإسلامي، كلها فيها ضرر كبير وخطير على الإسلام والمسلمين، بل هي مربوطة بمحاربة الإسلام وعقيدته وشريعته، ومحاربة المسلمين، واستعمار بلدانهم، ونهب خيراتهم، الخ. فلا يجوز البتة إصدار فتوى بخصوص إسرائيل دون دراسة واقعها دراسة دقيقة، والنظر في النصوص من القرآن والسُّنة التي تتوافر على علة مشتركة فعليا مع واقع إسرائيل اليوم.
ثم إن عبد الله النفيسي نفسه ذكر في كلمته عن التطبيع، أهداف إسرائيل منه (أي من التطبيع) وخطورة ذلك على دويلات الخليج، وأضاف أن التطبيع هدفه التخلي عن فلسطين والقدس، وقال بأن هذا مرفوض. إذًا لماذا بدأ الدكتور النفيسي كلمته بالقول بجواز “الصلح المؤقت مع اليهود”، إذا أقر لاحقا أن في شروط “التطبيع” خطر وأضرار على المسلمين في الخليج؟ إذًا كان على الدكتور النفيسي أن يطرح بداية شروط الصلح المؤقت، ثم يبين أن إسرائيل لا يتوافر فيها أي شيء من ذلك. أما بداية النقاش بطرح عبارة عامة فضفاضة، كقوله بجواز “الصلح المؤقت مع اليهود” وإجماع العلماء على ذلك، فهذا تضليل وكذب، سواء كان عن قصد أو عن جهل.
مغالطات تاريخية: أتاتورك مات قبل نشأة إسرائيل
ومن بين المغالطات الأخرى في كلمة الكتور النفيسي عن التطبيع، قوله أن مصطفى كمال أتاتورك فرض على الشعب التركي اتفاقية التطبيع مع الكيان الصهيوني.
مخجل أن يصدر هذا الخطأ الفادح من رجل متخصص في السياسة. فمصطفى كمال أتاتورك توفي سنة 1357هـ/1938م، توفي عشر سنوات قبل وجود دولة إسرائيل أصلا، والتي لم تتأسس إلا سنة 1367هـ / 1948م. أما غالب سياسات التطبيع مع إسرائيل، فقد تمت في عهد حكومة عدنان مندريس وحزبه “الحزب الديمقراطي” (تولى مندريس رئاسة الحكومة في تركيا من 1369هـ الى 1379هـ (1950م الى 1960م)، تمت في عهد من لُقِّب بـ”شهيد الأذان”، و”الحزب الديمقراطي” كان معارضا لحزب أتاتورك “حزب الشعب الديمقراطي”.
مصر والأردن وتركيا يعتبرون صلحهم مع إسرائيل نموذجيا وليس فاشلا
ثم قول النفيسي أن مصر والأردن وتركيا أدركوا أن معاهدات صلحهم مع إسرائيل كانت تجربة فاشلة ومن ثم يريدون التخلص منها، فهذا قول من محض خيال النفيسي وهواه. بل مصر والأردن وتركيا مقتنعون أنه لولا معاهدات الصلح مع إسرائيل لما استطاعت أنظمتهم البقاء، ومقتنعون أنه لابد من التطبيع الكامل مع إسرائيل لتحقيق شرعية لدى النظام الدولي وعلى رأسه أمريكا، وللحصول على منافع مادية. ثم إن الأردن ومصر وتركيا، لا يسعون للتخلص من معاهدات الصلح مع إسرائيل، بل يسعون لتوسعتها وتعميقها، بل ويضغطون على غيرهم للحذو حذوهم، فمثلا هم (وغيرهم من دويلات سايكس بيكو) من ضغط (ولازال يضغط) على حماس للاعتراف بإسرائيل وتقديم المزيد من التنازلات، وقد رضخت حماس للضغط سنة 1438هـ (2017م)، حيث ألغت ميثاقها التأسيسي الذي كان يدعو لمقاومة إسرائيل وعدم الاعتراف بها، وأصدرت ميثاقا بديلا، سمته «وثيقة المبادئ والسياسات العامة لحرکة المقاومة الإسلامية “حماس”». اعترفت حماس في هذه الوثيقة بإسرائيل على حدود 1387هـ (1967م)، وحذفت من الميثاق الجديد عبارات الجهاد، الى غير ذلك من التنازلات.
«تركيا تخشى منافسة الإمارات في خدمة مشاريع أمريكا في المنطقة»
عنصرية مقيتة مبطنة بدعوى “حق العودة الى فلسطين”
قال الدكتور عبد الله النفيسي أنه يعارض توطين المهجرين الفلسطينيين في صحراء الخليج ومنحهم جنسية دويلات الخليج، وعلل قوله هذا بـ”حق العودة الى فلسطين”. واعتبر ذلك بمثابة دفع قائمة حساب الإسرائيليين الذين قاموا بتشريد الفلسطينيين. واعتبر أن في توطين الفلسطينيين في الخليج خطر على الأمن السلمي والأهلي في منطقة الخليج.
هذا الكلام الذي صدر من النفيسي هو كلام عنصري جاهلي، يعارضه الإسلام الذي يدعي النفيسي الاحتكام إليه. وهو نفس قول القوميين وقول أنظمة دويلات سايكس بيكو، هو نفسه التعليل الذي جعل الفلسطينيين يعيشون لعقود وأجيال في مخيمات لجوء في دويلات سايكس بيكو كلبنان وسوريا وغيرهما، أو حتى إن عاشوا في المدن فإنهم يعاملون كأجانب معاهدين لا يتمتعون بالحقوق التي يتمتع به المسلم الذي يحمل جنسية البلد الذي هاجروا إليه (كما هو الحال في دويلات الخليج وغيرها من البلدان). فالفلسطينيون المهجرون يعيشون منذ أكثر من نصف قرن وعلى مدى أجيال، بدون أبسط الحقوق ومقومات الحياة الكريمة.
فهل الشرع يقول إنه لضمان حق عودة المسلمين المهجرين الى أراضيهم، يجب على الشعوب والبلدان المسلمة التي استضافتهم، اضطهادهم وجعلهم “مواطنين” درجة ثانية أو ثالثة أو رابعة، وعدم منحهم نفس الحقوق والواجبات والحماية كغيرهم من المسلمين “المجنسين” في البلد؟
فالله قال: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (سورة الحشر). فالأنصار في المدينة لم يستقبلوا المهاجرين الى المدينة فحسب، بل اقتسموا معهم ممتلكاتهم وأموالهم. وقال سبحانه: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} (سورة النساء). وقال الله: {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} (سورة الأنفال).
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (صحيح البخاري). وقال رسول الله: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ» (أخرجه أبو داود، والنسائي، وأحمد). وقال صلى الله عليه وسلم: «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ» (صحيح البخاري). وقال الرسول: «مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا عِنْدَ مَوْطِنٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ» (مسند أحمد).
فالمسلمون أمة واحدة، لا يجوز لحدود سايكس بيكو أن تفرق بينهم جغرافيا، ولا أن تميز بينهم في الحقوق، ولا أن تمنح هؤلاء حقوقا وتحرم آخرين منه، فالله يقول: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} (سورة المؤمنون)، ويقول سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (سورة التوبة). ومادامت حقوق المسلمين المهجرين لا يمكن ضمانها ومساواتها مع أهل البلد الذي هاجروا إليه إلا بمنحهم الجنسية، وجب على البلدان الإسلامية استقبال المسلمين المهجرين من كل بقاع العالم وليس فلسطين فحسب، ومنحهم الجنسية على الفور، لأن شرط الاخوة والمساوات في الحقوق هو الإسلام ليس إلا، ولا عبرة لحدود سايكس بيكو وما ترتب عنها من قوانين جائرة باطلة. فلا يُعقل أن تستقبل دول الغرب المسلمين المهجرين من فلسطين والصين وغيرها من بقاع العالم، وتمنحهم الجنسية ومن ثم تساوي قانونيا بينهم وبين مواطنيها، لكن البلدان الإسلامية لا تفعل ذلك، وتترك المسلمين مشردين في مخيمات، وإن استقبلت نسبة قليلة منهم، عاملتهم كلاجئين ليس لديهم مقومات الحياة الكريمة، يفتقدون لعدة حقوق.
أما حق العودة لفلسطين فلا علاقة له البتة بمنح المهجرين جنسية الدويلات والدول التي آوتهم. فلدينا ملايين الفلسطينيين يعيشون في دول الغرب، وحصلوا على جنسيات تلك الدول، ويعيشون منذ أجيال هناك، دون أن يتنازلوا عن حق العودة.
فحق العودة مقترن بالقدرة على القضاء على الكيان الذي سلبهم أرضهم، فما إن حصل ذلك، استطاعوا العودة لبلدهم بغض النظر عن الجنسية التي يحملونها. وهاهم غالبية اليهود في إسرائيل يحملون الى جانب الجنسية الإسرائيلية، جنسية أحد دول الغرب أو حتى جنسيات عدة دول غربية في آن واحد، دون أن يُعتبر ذلك تفريط في دولة إسرائيل. وإنما تعني الجنسية في عصرنا الحالي، مجموعة حقوق لحاملها، وحماية له، وتسهيل قدرته على التنقل، وتمكينه وأسرته من التمتع بكل الحقوق كالتعليم والتطبيب والرعاية الاجتماعية، الخ، الجنسية تعني تسهيل ظروف العيش دون تعقيدات إدارية.
أخيرا وليس آخرا، قول النفيسي بأن توطين الفلسطينيين في الخليج يشكل خطرا على الأمن السلمي والأهلي في منطقة الخليج، فهذا قول عنصري جاهلي وخطير، لم تقل به حتى دول الغرب لما استقبلت عشرات ملايين المسلمين من كل بقاع العالم ومنحتهم جنسيتها، وهم (أي المسلمون) يخالفون الغربيين في الدين والعقيدة. كيف يعتبر مسلم إخوته المسلمين خطرا على أمنه السلمي والأهلي؟ كيف يميز مسلم نفسه عن غيره من المسلمين؟
الخطر الوحيد الذي يشكله المسلمون المهجرون (وعلى رأسهم المهجرين من فلسطين)، هو خطرهم على أنظمة سايكس بيكو التي فرضها الغرب على البلدان الإسلامية. فهذه الأنظمة تخاف المسلمين من فلسطين، لما يحملونه – مجملا – من أفكار إسلامية وثورية. فهم يرون فيهم خطرا على عروشهم، لذلك لن يقبلوا توطينهم مهما حاولت إسرائيل.
«بعد تركيا الإمارات الثانية في العالم الإسلامي التي تعلن تطبيعا شاملا مع إسرائيل»