حدث الساعة

هل روسيا فعلا وراء تسميم الناشط السياسي الروسي نافالني؟

في 2 محرم 1442هـ (20 أغسطس 2020م)، بينما كان المحامي والناشط السياسي الروسي أليكسي نافالني على متن طائرة في رحلة من مدينة  تومسك الروسية في سيبيريا إلى موسكو، شعر فجأة بآلام شديدة فقد على إثرها الوعي. اضطرت الطائرة للهبوط في مدينة أومسك التي تبعد حوالي 740 كلم عن تومسك، وتم نقل نافالني الى مستشفى المدينة.

بعد وقت قصير من دخوله المستشفى، قال الطبيب المعالج للصحافة إنه من الممكن أن يكون نافالني تعرض لتسمم. بعدها تغيرت أقوال المستشفى واضطربت، ربما تحت ضغط من الشرطة الروسية التي لم تشأ إشاعة حالة تسمم لشخصية معروفة في روسيا.

الرواية الرسمية الغربية تقول إنه بعد تدهور حالة نافالني، وطلب المستشارة الألمانية ميركل نقله للعلاج في ألمانيا، تم حمل نافالني يوم 5 محرم 1442هـ (23 أغسطس 2020م) في طائرة خاصة الى العاصمة الألمانية برلين، حيث أُدخل مستشفى شاريتيه الألماني. انخرط معهد علم الأدوية والسموم للجيش الألماني في مدينة ميونيخ في تحليل نوع المادة التي تسمم بها نافالني، حيث أعلنت الحكومة الألمانية على إثر ذلك أن أليكسي نافالني تعرض للتسمم بمادة “نوفيتشوك”، نفس السم الذي اتُّهمت روسيا باستعماله سابقا ضد الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته في بريطانيا عام 1440هـ (2018م).

مادة “نوفيتشوك” من المواد السامة التي تصيب الجهاز العصبي، تنتمي لفصيلة من “مثبطات إستيراز الأسيتيل كولين”. “الأسيتيل كولين” يلعب دورا مهما في عمل الناقل العصبي في الجهاز العصبي المركزي، والغدد المستقلية، والمواصل العصبية العضلية، الغنية كلها بمستقبلات الأسيتيل كولين. عدم قدرة الجسم على هدم الأسيتيل كولين، بسبب “مثبطات إستيراز الأسيتيل كولين” كمادة “نوفيتشوك” مثلا، يؤدي الى إفراط شديد متواصل لنشاط تلك الأجهزة، والذي ينتهي بفشلٍ في اتصال الدماغ بالعضلات والغدد. من أعراض هذا الفشل الإسهال، والتقيؤ، وتشنجات في القلب، وتضييق المجاري الهوائية، وصولا إلى الشلل والاختناق إذا لم يعالج المُصاب. مادة “نوفيتشوك” غالبا ما تُستعمل كمسحوق فائق النعومة، يمكن رشه في مكان معين أو خلطه في مشروب أو طعام، ومن ثم يتم امتصاصه عبر الأكل أو الاستنشاق أو الجلد.

الأسئلة التي لم تُطرح

الرواية الرسمية التي تبناها الغرب ومعه إعلام الدويلات التابعة للغرب، هو أن المخابرات الروسية هي التي سممت أليكسي نافالني بمادة “نوفيتشوك”.

لكن من بين الأسئلة التي لم تُطرح، والتي تحتاج لأجوبة:

  • لماذا سمحت روسيا، وبسرعة، بنقل أليكسي نافالني من روسيا للعلاج في ألمانيا، إذا كانت هي من استهدفته بمادة سامة؟ كيف تسمح بعلاجه إذا كانت تريد قتله؟ ثم كيف تسلم بنفسها الدليل المادي ” نافالني” ضدها لأعدائها؟

أليكسي نافالني مواطن روسي، وناشط سياسي، وكان بإمكان روسيا بسهولة منع نقله الى دولة غربية للعلاج، لكنها لم تفعل ذلك.

كما أن الذي لم يذكره غالب الإعلام الغربي، هو أن زوجة أليكسي نافالني، يوليا بوريسفنا نافالنا، طلبت شخصيا من الرئيس الروسي بوتين السماح بنقل زوجها للعلاج في مستشفى بألمانيا. حيث جاء في نص الطلب الذي نُشر على صفحة نافالني في تويتر: “يقبع زوجي أليكسي أناتوليفيتش نافالني في الوقت الراهن في مستشفى أومسك رقم 1 للطوارئ، وهو بحالة خطيرة. وأعتقد أن أليكسي أناتوليفيتش نافالني في أمس الحاجة إلى مساعدة طبية متخصصة في جمهورية ألمانيا”. وأضافت في طلبها بالقول: “اعتبارا من الساعة 12:00، في 21 أغسطس يوجد لدينا كل الإمكانيات لنقل أليكسي بشكل عاجل بمرافقة أطباء ذي كفاءة عالية”. وتابعت يوليا بوريسفنا نافالنا بالقول: “أتقدم إليكم بطلب رسمي للسماح بنقل أليكسي أناتوليفيتش نافالني إلى جمهورية ألمانيا”. وقد استجاب بوتين للطلب.

فهل فلاديمير بوتين، رجل المخابرات الروسية، بهذه الدرجة من الغباء ليسلم لأعدائه أدلة ضده؟

  • من ناحية أخرى يمكن افتراض أن روسيا كانت تظن أن الأطباء الغربيين لن يستطيعوا اكتشاف نوع السم الذي أصيب به نافالني، وبالتالي سمحت له بالعلاج خارج روسيا، إذ يصعب اتهام المخابرات الروسية بتسميمه مادام لم يُعثر على سم. لكن هذا الافتراض يستحيل صحته، وذلك لأن مادة “نوفيتشوك” التي تم “اكتشافها” في جسم أليكسي نافالني، مادة معروفة لدى المخابرات والمختبرات العسكرية الغربية، وتم اكتشافها من قبل في جسم الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته في بريطانيا عام 1440هـ (2018م)، الحادثة التي اتُّهمت فيها روسيا أيضا. فهل روسيا بهذه الدرجة من الغباء، بحيث تستعمل من جديد نفس أداة القتل التي اكتُشفت من قبل (هذا إن سلمنا بصحة رواية أن روسيا هي من كانت وراء تسميم الجاسوس السابق سيرغي سكريبال وابنته)، وتسمح للغرب بفحص نافالني لاكتشافها؟
  • ثم إن لروسيا وسائل أخرى كثيرة لإسكات أليكسي نافالني، إن كان يشكل فعلا خطرا على بوتين، أقلها حبسه. لكن الواقع أنه رغم عدة قضايا اختلاس ونصب رُفعت ضد أليكسي نافالني، وأدين بسببها وحُكم عليه بالسجن لسنوات، علَّق النظام الروسي تلك الأحكام وتركه طليقا.

هل روسيا فعلا وراء تسميم الناشط السياسي الروسي نافالني؟

أمام هذه المعطيات، فنحن إما أمام دولة روسية وصلت لدرجة من الغباء والصَّغار أمام الغرب، بحيث ترتكب جريمة على طريقة “السيد منشار العظام” من حيث الغباء، ثم تضطر “مُكرهة” لتسليم الأدلة (أليكسي نافالني) التي تدينها لأعدائها.

أو أن المخابرات الغربية تستغل مادة “نوفيتشوك” التي تم تطويرها ابتداء في سبعينيات القرن الماضي من قِبل الاتحاد السوفيتي (والتي لا شك أن المختبرات العسكرية الغربية تعرف منذ زمن تفاصيلها ولها القدرة ليس على اكتشافها فحسب، بل كذلك على على صناعتها)، ومن ثم يسهل إلصاق أي جريمة بواسطة “نوفيتشوك” بروسيا، فتستعملها (أي مخابرات غربية) ضد نشطاء روسيين، لخلق ذرائع تضغط بها على روسيا وتبرر بها مزيدا من العقوبات عليها، كل ذلك ضمن حرب “باردة” من نوع آخر بين الغرب وخصوصا أوروبا، وروسيا؟

فهرس

مثبط إستيراز الأسيتيل كولين = Acetylcholinesterase inhibitor

Print Friendly, PDF & Email
اظهر المزيد

مجلة التنوير

موقع مستقل منبر للتحليل العميق للأحداث في العالم منصة لتنوير العقول وإحياء القلوب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Enter Captcha Here : *

Reload Image

زر الذهاب إلى الأعلى