ألم يحن الوقت لتقاطعوا اللغة الفرنسية؟

تحركت موجات احتجاجات واسعة للمسلمين ضد غطرسة فرنسا ورئيسها تجاههم، وتحقيرهما للمسلمين واضطهادهم، وضد إساءتهما (أي فرنسا ورئيسها) للرسول محمد صلى الله عليه وسلم والسخرية منه، ودعا المسلمون لمقاطعة المنتوجات التجارية الفرنسية.
خطوة مقاطعة المنتوجات التجارية الفرنسية، خطوة جيدة وواجبة ولا شك على كل من كان يستطيع مقاطعتها.
لكن الأمر الذي يدعوا للحيرة والغرابة، بل ويؤسفني أن أقول أنه مدعى للسخرية وعلامة على الحماقة وعقدة النقص وانفصام في الشخصية، أن تجد كثيرا من المسلمين الذين يهاجمون فرنسا، ويدعون لمقاطعة منتوجاتها التجارية، ويعتبرونها دولة استعمارية انتهكت بلادهم وأرواحهم وأعراضهم ودينهم وثقافتهم في الماضي، ويعترفون أنها لازالت تعاديهم اليوم وتدعم الحكام الطغاة الذين يحكمون بلاد المسلمين، وتضطهد (أي فرنسا) المسلمين الذين يعيشون عندها، وينادون بقلع الاستعمار الفرنسي الذي لازال يحكم بلدانهم عن طريق حكام عملاء، .. تجد نفس المسلمين لازالوا يصرون على استعمال اللغة الفرنسية أو كلمات فرنسية في حديثهم وكتاباتهم، ولا أتحدث هنا عن المسلمين الذين وُلدوا في فرنسا ويعيشون فيها، ولكن أتحدث عن المسلمين في عدد من البلدان الإسلامية كالجزائر وتونس والمغرب ولبنان، الخ، مسلمون ولدوا في تلك البلدان الإسلامية وترعرعوا فيها.
«اقرأ أيضا: “الشباب يطرب باللغة الإنجليزية”.. عذرٌ أقبح من ذنب»
ما الذي يدفعك أيها المسلم لخلط كلمات فرنسية في حديثك مع مسلمين يعرفون العربية مثلك، بل وفي بلدك المسلم أو في بلد أجنبي غير فرنسا؟ أليست ظاهرة خلط المسلم الذي يعرف العربية كلمات أعجمية في كلامه وكتاباته غريبة ومشينة، تحط من قيمته وتجعله محل سخرية؟
إذا كانت فرنسا تعتز بلغتها وعلمانيتها وتتشبث بهما، بل وتحاول فرضهما على الغير، فلماذا لا تعتز أنت أيها المسلم بدينك ولغتك العربية، لغة القرآن والسُّنَّة؟
إذا كانت فرنسا تسبك وتحقرك، وتستهزئ من دينك ولغتك وحضارتك، بل وبنبيك محمد صلى الله عليه وسلم، فكيف تعتز أنت بلغتها وثقافتها، وتصر على خلط كلمات فرنسية في كلامك؟
هل سمعت أيها المسلم فرنسيا يتحدث الى فرنسي باللغة العربية أو يدرج كلمات عربية في حديثه مع من يعرف الفرنسية مثله؟
ألا تدرك أيها المسلم أنه أمر غريب، ومضحك ومدعى للسخرية، أن يتحدث مسلمون فيما بينهم باللغة الفرنسية؟
لماذا لا تجتهد لقلع الكلمات الفرنسية من قاموسك اليومي، فتبحث عن الكلمات العربية المرادفة لكل كلمة فرنسية تعودت على استعمالها منذ الصغر، وتوطد نفسك على استعمالها بدلا من الكلمات الفرنسية؟ هل هذا أمر مستحيل؟
إذا كنت، أيها المسلم، جادا في غضبك على فرنسا، وجادا في حبك لنبيك محمد صلى الله عليه وسلم الذي جعلت فرنسا السخرية منه ومن الإسلام أحد أهم ركائز حضارتها وقيمها وحريتها وثقافتها، وجادا في نصرتك للإسلام، ومعتزا فعلا بلغة القرآن والسُّنّة – اللغة العربية –، فلا يجوز لك أن تخلط كلمات فرنسية في كلامك. إذا كنت جادا في أن تكون لك شخصية إسلامية قوية، فعليك أن تجتهد لتعلم اللغة العربية والحرص على التحدث بها دون خليط بكلمات أعجمية.
كيف لشعوب أن تتحرر وهي تغوص في وحل التبعية الثقافية واللغوية للدول التي تدَّعي أنها تريد التحرر من هيمنتها؟ كيف لشعوب أن تتحرر وهي نسيت تاريخها، وجهلت حاضرها، وأعرضت عن دينها ولغتها، وتفضل الحديث بلغة الدول التي استعمرتها واستعبدتها؟
«اقرأ أيضا: يا أهل الجزائر: لماذا تستبدلون بالفرنسية الإنجليزية وليس العربية؟»
المشكلة ليست في تعَلُّم لغات أعجمية ولكن في استعمالها في غير محلها
ومع كل ما سبق، وحتى لا يتنطع حُدثاء الأسنان وسفهاء الأحلام (أي ضعفاء العقول والفهم)، أشير هنا الى أن المشكلة ليست في تعَلُّم لغة أو لغات أعجمية، ومن بينها اللغة الفرنسية أو الانجليزية، ولكن المشكلة في استعمال اللغة الأعجمية في غير محلها، الطامة في استعمالها بدلا من اللغة العربية كوسيلة للتواصل في الحياة اليومية للمسلمين فيما بينهم وفي حياتهم السياسية والإدارية والاقتصادية. المشكلة تكمن في تدريس العلوم التجريبية والتقنية والرياضيات في بلدان مسلمة بلغة أعجمية بدلا من اللغة العربية.
تَعَلُّم لغات أعجمية وإتقانها يجب أن يكون لغرض الاستعانة بها فقط في المجال والظرف والمكان الذي يحتاجها فيه المسلم، كالسفر لدول غربية للدراسة أو العمل أو السياحة، أو للاطلاع على كتب ومؤلفات أعجمية، أو لمخاطبة أجانب لا يتحدثون اللغة العربية، أو لترجمة كتب أعجمية الى اللغة العربية، أو لابتعاث سفراء، أو للتجسس على دول أعجمية.
لكن حين يحاور مسلمٌ مسلما، كلاهما يعرف اللغة العربية (حتى لو لم يكونا يتقناها وكانا يلحنان)، وحين يتعامل مسلمون فيما بينهم وفي بلدهم المسلم، فمن العار والذل واحتقار الذات وعقدة النقص وانفصام الشخصية، أن يتحاوروا بلغة أعجمية بدلا من لغتهم الأم، اللغة العربية.
«اقرأ أيضا: هل اللغة الإنجليزية هي لغة العلوم؟»
اللغة العربية لا علاقة لها بالقومية العربية وإنما هي لغة أمة محمد
وحتى لا يتنطع حدثاء الأسنان وسفهاء الأحلام، خصوصا الذين عششت في صدورهم وعقولهم العصبيات القومية التي زرعتها فرنسا ودول الغرب في البلدان الإسلامية، كالعصبية للكردية والتركية والأمازيغية وغيرها، .. أود الإشارة الى أن الدعوة لاعتماد اللغة العربية لا يعني البتة الدعوة لما يُسمى القومية العربية، ولا يعني تفضيل العرب على غيرهم من المسلمين غير العرب، ولا يعني منع المسلمين غير العرب من تعلم لهجاتهم (من خلال مدارس خاصة وليست حكومية) والتحدث بها فيما بينهم، مع وجوب اعتماد الدولة المسلمة اللغة العربية لغة رسمية للبلاد في كل المجالات كالإدارة والتعليم في كل مراحله ومستوياته.
اعتماد اللغة العربية، ووجوب تعلم المسلمين لها، دافعه عقائدي إسلامي ليس إلا، لأنها لغة القرآن والحديث النبوي، لأنها اللغة التي اصطفاها الله لرسالته للبشرية جمعاء. باللغة العربية حُفظ الوحي، وإن ضاعت اللغة العربية ضاع الدين بأكمله. اللغة العربية هي اللغة التي نتعبد بها الله في صلاتنا وتسبيحنا ودعائنا وحجنا وتلاوة القرآن، اللغة العربية هي التي نفهم بها خطاب الله والرسول. فمن كان يحب الله والرسول قبل قومه وعشيرته وأسرته، ويحب سماع خطاب الله كما أُنزل من السماء وحديث الرسول كما نطق به هو صلى الله عليه وسلم، وفَهْمِه واستيعابه، سيحب اللغة العربية قبل أي لغة أخرى في الدنيا وسيحرص على تعلمها وإتقانها.
فالمسلم الكردي والمسلم الأمازيغي والمسلم التركي والمسلم الفرنسي الخ …، كلٌّ منهم سيحب اللغة العربية قبل الكردية أو الأمازيغية أو التركية أو الفرنسية، لأن لغة نبيهم ووحي ربهم الذي خلقهم ويرزقهم وإليه سيرجعون هي الأَوْلى بالحب والعناية قبل أي لغة أخرى. بعدها تأتي لغة أقوامهم الذين لن يغنوا عنهم شيئا يوم القيامة {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} (سورة المؤمنون)، {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} (سورة الأنعام).
فها هم كثير من أهم علماء المسلمين الأوائل الذين نأخذ عنهم ديننا ولغتنا العربية لم يكونوا عربا، لكنهم جهابذة في اللغة العربية، أحبوها وتعلموها بدافع ديني. فمثلا أصح كتب الحديث النبوي (صحيحي البخاري ومسلم) أصحابها ليسوا عربا. كذلك لم يكن عربا أصحاب الكتب الصحاح للحديث النبوي، كأبي داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجة، والدارمي. وأهم كتب علم النحو في اللغة العربية ألفه فارسي وليس عربي، وهو سيبويه، الى غير ذلك من العلماء المسلمين في شتى أنواع العلوم التي أبدع فيها المسلمون.
فاللغة العربية، لأنها لغة الوحي، هي وحدها اللغة الجامعة لكل المسلمين والماحية للنعرات القومية. ولأنها لغة الوحي، شأنها أعظم من شأن أي لغة أخرى في الدنيا، وحبها أولى من حب أي لغة أخرى في الدنيا. ولأنها لغة الوحي ولغة العلم الغيبي (العلم عن الجنة والنار والآخرة والله، الخ)، فهي أولى أن تكون لغة ما هو أدنى من العلم الغيبي، وهي العلوم البشرية المشهودة (كالعلوم التجريبية والتقنية والرياضية الخ).
فالمسلم الذي فهم حقيقة الإسلام، لا يفرق بين اللغة العربية وبين الإسلام، فوعاء الإسلام هي العربية. وكما أن الإسلام ليس دين قوم وإنما دين البشرية جمعاء، فكذلك العربية ليست لغة قوم وإنما لغة المسلمين كافة أينما وجدوا في العالم، هي لغة أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
فيا مسلمين، إذا كان الدافع العقدي لم يحرككم حتى الآن بما فيه الكفاية لتقلعوا الكلمات الفرنسية والأعجمية عموما (كالإنجليزية) من حديثكم اليومي، فهل ستحرككم غطرسة فرنسا وحكامها الذين يحتقرونكم ويحتقرون نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ويسخرون منه، لتقلعوا أخيرا مخلفات الاستعمار والاستعباد الفرنسي؟
اعلم أيها المسلم أنها مصيبة إذا كان المسلم يخلط كلاما عربيا بأعجمي مع أنه يدرك أنه من العار والهزيمة والتبعية الثقافية للمستعمر فعل ذلك. وأن المصيبة أعظم، إذا كان المسلم لازال لم يدرك أصلا أنه من السفاهة والحمق والذل والسخرية والتهريج خلط كلام عربي بأعجمي!
«اقرأ أيضا: دعوة للمواقع الناطقة بالعربية أن تتبى المعايير التالية للنشر»