علوم شرعية وفقهية

الاحتفال بذكرى مولد الرسول بدعة باطلة لا أصل لها في الإسلام

الاحتفال بالمولد النبوي تقليدٌ أعمى للغرب النصراني وأول من قلدهم الفاطميون (العبيديون) 

قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ»؛ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اليَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «فَمَنْ» (صحيح البخاري). قول الرسول: (فمن: أي فمن غير اليهود والنصارى؟

المسلمون الذين يحتفلون بما يسمى “المولد النبوي” لا يشعرون وهم يفعلون ذلك أنهم يقلدون الغرب النصراني الذي ابتكر قبل عدة قرون الاحتفال بذكرى مولد عيسى عليه السلام، وأن الفاطميون (العبيديون) أول من قلد النصارى بالاحتفال بمولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وذلك حوالي القرن الخامس هجري، ونقلوا كثيرا من طقوس النصارى الى احتفالاتهم بذكرى ولادة محمد. ومن ثم كانت البلدان التي حكمها العبيديون لفترة، كمصر والمغرب الخ، ترسخ فيها الى يومنا هذا بطريقة أوسع وطقوس أغرب ذكرى الاحتفال بالمولد النبوي.  

الاحتفال بالمولد النبوي بدعة باطلة

فالاحتفال بالمولد النبوي لم يسنه صاحب الشأن، رسول الله، وهو كان أعلم بتاريخ مولده؛ فكيف يجرؤ المسلمون اليوم على إحداث احتفال لم يقم به الرسول قط مدى حياته، وهو الذي قال: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» (صحيح البخاري).

وعَن الصحابي الْعِرْبَاض بْنِ سَارِيَةَ، قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ؛ فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ (أي وإن عبد حبشي وُلِّي عليكم). فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» (رواه الترمذي).

وهو الذي أمر الله باتباعه، حيث قال سبحانه {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (سورة التوبة).

والرسول استنكر احتفالات الجاهلية، واستبدلها بعيدين، هما الوحيدين اللذان سنهما للمسلمين، عيد الفطر وعيد الأضحى، حيث قال للمسلمين: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ» (رواه أبو داوود). 

الرد على بعض شبهات المسوغين للاحتفال بالمولد النبوي

وأما الحديث الذي سُئل فيه الرسول عن صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، حيث أجاب قائلا: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ» (رواه مسلم)، فلا يدل على استحباب الرسول صيام يوم الاثنين لأنه وُلد فيه، ومن ثم لا يصح الاستدلال به لتسويغ الاحتفال بما يسمى “المولد النبوي”. فالرسول بَيَّنَ سبب استحبابه صيام يوم الاثنين (والخميس أيضا)، حيث قال: «تُعْرَضُ الأَعْمَالُ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ؛ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» (رواه الترمذي).

وإن صح الاستدلال بحديث صيام يوم الاثنين وولادة النبي فيه، للاحتفال بما يسمى “المولد النبوي”، فإذًا وجب أن يكون الاحتفال بمولد الرسول بالصيام كل يوم اثنين من كل أسبوع. فلماذا الاحتفال به مرة كل سنة؟ ولماذا الاحتفال به بطرق غير الصيام؟ إذًا أنتم تخالفون حتى الحديث الذي استشهدتم به! ثم إن الاحتفال بذكرى ولادته في 12 ربيع الأول مرة كل سنة، قلما يصادف يوم الاثنين، فمن احتج بحديث ولادة الرسول يوم الاثنين، يخالف مرة أخرى الحديث الذي استشهد به، إذ “احتفل” في يوم غير يوم الاثنين، ناهيك عن أنه “احتفل” بطريقة غير الصيام. أضف الى ذلك أنه بخلاف الخبر الموثوق عن ولادته صلى عليه وسلم يوم اثنين، فإن تاريخ ولادته غير معلوم. فليس موثوقا أنه وُلد يوم 12 ربيع الأول، فهناك عدة روايات كلٌّ منها يذكر تاريخا مخالفا لولادته.

والنقطة المهمة أيضا، أن الرسول توفي أيضا يوم اثنين من شهر ربيع الأول، مع الاختلاف هنا أيضا في تاريخ وفاته (أي لا يمكن الجزم أي يوم اثنين من شهر ربيع الأول توفي فيه الرسول). فعلى ما يبدو، إن قَبِلْنا جدلا بأشْهَر تلك الروايات، فالاحتفال بالرسول يوم 12 ربيع الأول من كل سنة، الأحرى أنه احتفال بوفاته صلى الله عليه وسلم وليس بولادته.

ولا يُقال إن الاحتفال بالمولد النبوي هو فقط تعبير عن حبه، فالأعمال التي نعبر بها عن حب الرسول، يجب أن تكون مما سنه الذي نحبه، وإلا نصبح نشرع من أهوائنا بحجة حب الرسول. وهل ألَّهت النصارى عيسى وجعلته ابن الله، إلا لادعائهم حبهم إياه!

البدعة بين الشرع واللغة، وبين الحسنة والباطلة

وقد يستشهد البعض بالرواية عن عمر بن الخطاب التي دعا فيها المسلمين لقيام الليل (صلاة التراويح) في رمضان جماعة واحدة بدلا من أن يصلي كلٌّ لوحده أو جماعات متفرقة في المسجد، حيث روى البخاري عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ القَارِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: “خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى المَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلاَتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: “إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاَءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ، لَكَانَ أَمْثَلَ”؛ ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ. ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ قَارِئِهِمْ، قَالَ عُمَرُ: “نِعْمَ البِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ”؛ يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ (صحيح البخاري). قول عمر (وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ)، أي أن قيام الليل في آخره أحسن من أوله.

الاستشهاد برواية الخليفة عمر رضي الله عنه عن “البدعة الحسنة” لا يصح، فمصطلح البدعة هنا معناه لغوي وليس شرعي، كما بيَّنَ ابن تيمية رحمه الله. فالبدعة عموما هو كل ما لم تجري عليه العادة، فقد يكون فعلا سبق القيام به، لكنه ليس على سبيل الدوام والعادة. فلفظ البدعة الذي استعمله عمر هنا، ليس البدعة التي تحدث عنها الرسول في حديثه. فالبدعة الشرعية هي التي ليس لها أصل في الشرع، أما فعل عمر بن الخطاب بخصوص صلاة التراويح، فلها أصل في الشرع.

فعن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَرَجَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ (في شهر رمضان) فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ (قيام الليل وليس صلاة الفريضة)، فَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلَاتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَتَحَدَّثُونَ بِذَلِكَ، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ (في الليلة التالية)، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَذْكُرُونَ ذَلِك ، فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ؛ فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ (أي اكتظ المسجد بالناس الذي كانوا ينتظرون الرسول ليصلوا وراءه قيام الليل)، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَطَفِقَ رِجَالٌ مِنْهُمْ يَقُولُونَ: الصَّلَاةَ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى خَرَجَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ تَشَهَّدَ، فَقَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ شَأْنُكُمُ اللَّيْلَةَ، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ صَلَاةُ اللَّيْلِ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا» (صحيح مسلم).

فعمر بن الخطاب لم يأتي بفعل جديد، حين دعا الناس لصلاة التراويح وراء إمام واحد، إذ قام بذلك الرسول في حياته ليلتين أو ثلاثة في رمضان، والرسول لم ينهى عن فعل ذلك، بل خشي أن يصبح قيام الليل جماعة فريضة. أما وقد توفي الرسول، فقد استقر حال قيام الليل في رمضان على أنه مستحب، ولا خشية أن يصبح فرضا، لأن الوحي انقطع بوفاته صلى الله عليه وسلم.



 

جميع الآراء الواردة بهذا المقال تعبر فقط عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

Print Friendly, PDF & Email
اظهر المزيد

د. هشام البواب

الدكتور هشام البواب، ناقد ومحلل سياسي واجتماعي مستقل . مقالاته تشمل موضوعات سياسية واجتماعية وفقهية وعلوم تجريبية :::::: بعض كتابات الدكتور هشام البواب في الرابط التالي: https://atanwir.com/منشورات-الدكتور-هشام-البواب ::::::: hicbou1@mailfence.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى