الرئيس الفرنسي ماكرون يخاطبكم بعنجهية السيد ويعتبركم أيها المسلمون عبيده

يوم 17 ذي الحجة 1395هـ (21 ديسمبر 1975م)، لما اقتحم إلييتش راميريز سانشيز (المعروف بالاسم الحركي “كارلوس”) مبنى المقر الرئيسي لـ«منظمة الدول المصدرة للنفط» في مدينة فيينا النمساوية، واتخذ حوالي 60 شخصا كرهائن من بينهم كل وزراء الدول الأعضاء في «منظمة الدول المصدرة للنفط» الإحدى عشر، خطب فيهم وقال: «كل القرارات يتم اتخاذها بطريقة ديمقراطية من قِبَلي أنا، ومن اعترض سَيُطلَق عليه الرصاص». … “كارلوس” الذي كان يعادي الرأسمالية والمُعسكر الغربي، أراد بمقولته هذه تبيان حقيقة الديمقراطية التي يتغنى بها الغرب، والتي تعني أن اتخاذ القرارات يكون بيد القوي، القوي يفرض آراءه بالقوة، هكذا يُدار العالم، …
«كل القرارات يتم اتخاذها بطريقة ديمقراطية من قِبَلي أنا، ومن اعترض سيطلق عليه الرصاص»، .. هذه هي العقلية والمنطق الذي تتعامل به دول الغرب مع البلدان الإسلامية وشعوبها وحكامها؛ وهذه هي العقلية التي يخاطب بها اليوم الرئيس الفرنسي ماكرون المسلمين.
حين يتعلق الأمر بالمسلمين المقيمين في فرنسا (سواء كانوا فرنسيي الجنسية أو يعيشون بوثيقة إقامة قانونية)، فالرصاص يُستبدل بالسجن والغرامات المالية أو الطرد من البلد، حين يخالف المسلم آراء العلمانية الفرنسية. وحين يتعلق الأمر بالشعوب في البلدان الإسلامية، فيُضاف الى وسائل الاضطهاد التي تُستعمل ضد المسلمين داخل فرنسا، والتي غالبا ما ينوب عنها (أي عن فرنسا) حكامٌ عملاء في تنفيذها، يُضاف إليها فعلا الرصاص الحقيقي، القصف، الحرب، القتل، هذا ما قامت به فرنسا طوال حقبة الاستعمار للبلدان الإسلامية والبلدان غير الإسلامية، وهذا ما تقوم به اليوم في كل البلدان التي ترسل إليها جنودها (ويعدون بأكثر من 30 ألف جندي)، أو مرتزقة من مختلف دول العالم تابعين لها. اسألوا على سبيل المثال لا الحصر أهل مالي وليبيا وساحل العاج، …
«حرية التعبير مقدسة ومخولة للكل، لكن من يخالف آراء العلمانية، فمصيره السجن وغرامة مالية أو الطرد من فرنسا…»
فلسان حال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يقول لكم أيها المسلمون: «حرية التعبير مقدسة ومخولة للكل، لكن من يخالف آراء العلمانية، فمصيره السجن وغرامة مالية أو الحرمان من حق العمل والدراسة أو الطرد من فرنسا…». فحرية التعبير ليست مطلقة كما يدعي ماكرون، وكما يدعي الغرب عموما، وإنما التعبير مباح في الأمور وضمن الإطار الذي تحدده العلمانية؛ فالحرية مقيدة ضمن معايير فرنسا وعلمانيتها. فسب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والاستهزاء به والكذب عليه، وتحقير المسلمين وإهانتهم، كل ذلك يدخل ضمن حرية التعبير. لكن التعبير مثلا بآراء عن إسرائيل أو عن تاريخ محرقة اليهود، أو حق إسرائيل في فلسطين، أو عن “إبادة الأرمن”، أو حق المسلمين في المقاومة ضد من يغتصب بلدهم، أو عن وجوب الحكم بالشريعة في البلدان الإسلامية، الخ، التعبير عن مثل هذه المسائل (بآراء تخالف رأي العلمانية)، فإنه يترتب عليه العقوبة، ناهيك عن الاضطهاد الذي تتعرض له المسلمات بحيث يُمنعن من الدراسة أو العمل بالحجاب، وتُعاقب من ترتدي النقاب أو ترفض أن يفحص عليها طبيب رجل. وحكام المسلمين قاطبة جزء من المنظومة العلمانية العالمية، وينوبون في كثير من الأحيان عن الغرب في تنفيذ العقوبات، أو يشاركونه بالمرتزقة والتجسس في تنفيذها حين يتعلق الأمر مثلا بغزو بلد مسلم وتهجير أهله وقتلهم.
«الجزيرة تسارع لإنقاذ فرنسا من حملة المقاطعة وتبييض وجه ماكرون ومنحه منصة لجلد المسلمين»
فمثلا في 2 ربيع الأول 1442هـ (19 تشرين الأول/ أكتوبر 2020م)، أمر وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان بإغلاق المسجد الكبير في مدينة “بانتان”، لمجرد أن إمام المسجد أعاد تغريدة شريط مصور لأحد الآباء الذي سرد فيه ما عايشته ابنته التلميذة في القسم الذي عرض فيه المعلم الفرنسي رسوما ساخرة مسيئة للرسول محمد (من بينها رسمًا لشخص عاري نسبها للرسول) على تلاميذ تقل أعمارهم عن 14 سنة (من بينهم ابنته ذات الثلاثة عشرة سنة)، ودعا فيه الأب المكلوم الآباء لرفع شكوى ضد المعلم لمنعه من تدريس التلاميذ وطرده من المدرسة (الأب لم يحرض على قتل المعلم ولا على الاعتداء الجسدي عليه).
حرية التعبير، حسب مبدأ «حرية التعبير مقدسة ومخولة للكل، لكن من يخالف آراء العلمانية، فمصيره السجن وغرامة مالية أو الطرد من فرنسا …»، تبيح سب الرسول محمد والإساءة إليه، لكن مجرد الاحتجاج بالرأي على هذا القذف والإساءة ممنوع، وتُعاقِب عليه فرنسا – بلد الحريات – !
وفي سياق الحملة الشعواء ضد المسلمين في فرنسا، باسم العلمانية المتطرفة، حلت الدولة الفرنسية منظمات المجتمع المدني التي أسسها مسلمون، مثل مجموعة مناهضة «التخويف من الإسلام» (الإسلاموفوبيا) «سي سي إي إف»، ومؤسسة الإغاثة الإنسانية «مدينة البركة» . حتى العمل الخيري يُعتبر تطرفا لو كان القائمون عليه مسلمون. والمنظمة التي تعمل على مكافحة الكراهية ضد المسلمين، المنظمة الوحيدة في فرنسا، يتم إغلاقها، حتى لا يجد المضطهدون من المسلمين من يساندهم ويدافع عن حقوقهم، … هذه هي الديكتاتورية العلمانية التي تتغنى بها فرنسا، ويتغنى بها رئيسها ماكرون.
«عريضة لشخصيات وجمعيات إسلامية تدين الأعمال الوحشية لفرنسا ضد المسلمين»
فآراء العلمانيين المتطرفين، مهما كانت تحوي عليه من إهانة للمسلمين وإساءة للرسول محمد وسخرية منه وتحريض على كراهية المسلمين واضطهادهم، تُعتبر من حرية التعبير المقدسة، وتُعتبر تحَضُّرا وحضارة وتقدما وتحررا، والمعبر عنها محمي بالقانون؛ … لكن آراء المسلمين التي تخالف العلمانية وتعبر عن أفكار الإسلام وآراءه، تُعتبر تطرفا وغلوا بل وأحيانا إرهابا، والتعبير عنها يُعتبر جريمة يعاقب عليها القانون. ففي السنوات الثلاثة الأخيرة فقط، بلغ عدد المساجد التي تم إغلاقها في فرنسا بدعوى “التطرف” 356 مسجدا، فضلا عن ترحيل 411 أجنبيا، بنفس الدعوى الباطلة.
لسان حال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يقول لكم أيها المسلمون، حسب مبدأ «حرية التعبير مقدسة ومخولة للكل، لكن من يخالف آراء العلمانية، فمصيره السجن وغرامة مالية أو الطرد من فرنسا…»: سنهينكم ونسخر من نبيكم ودينكم، وننعتكم بأقبح المسميات، وعليكم تقَبُّل ذلك وتحمله بصدر رحب، ولا يجوز لكم الاعتراض عليه ولا الاحتجاج، ولا يجوز لكم بحال مقاطعة البضائع الفرنسية! مقاطعة المنتجات الفرنسية اعتبرته وزارة الداخلية تطرفا.
هذه هي عنجهية وغطرسة وغرور من يظن نفسه سيدا، ويعتبركم أنتم – أيها المسلمون – مجرد عبيد، لا حقوق لكم، وعليكم الطاعة وأنتم صاغرون! فهل أنتم طائعوه يا مسلمين؟!
«ألم يحن الوقت لتقاطعوا اللغة الفرنسية؟»
حكامكم أيها المسلمون هم من يغذي عنجهية وغطرسة وغرور الرئيس الفرنسي ماكرون وأمثاله من حكام الغرب
عليكم، أيها المسلمون، إدراك أن الذي يغذي عنجهية وغطرسة وغرور دول الغرب، وعلى رأسهم فرنسا ورئيسها، هم حكامكم وأنظمة الحكم في بلدانكم بمؤسساتها العسكرية والأمنية والمخابراتية والتشريعية والاقتصادية والتعليمية. فحين يطأطئ حكامكم وزبانيتهم وموظفيهم رؤوسهم لدول الغرب، ويرتعدون منها، ويطمعون في رضاها، ويمتثلون لأوامرها، ويتواطئون معها ضد شعوبهم (أي الشعوب المسلمة)، وتتخابر مخابرات دويلاتكم في العالم الإسلامي مع المخابرات الغربية ضدكم، يتبادلون المعلومات عنكم، ويتناوبون في رصد تحركاتكم والتجسس عليكم، ويدعمون الغرب في حربه على الإسلام، ويغير حكامكم مناهج التعليم في البلدان الإسلامية إرضاء للغرب، ليمحوا من المقررات الدراسية كل ما له علاقة بالإسلام وتاريخ المسلمين، … ويتبنون (أي حكامكم) سياسات العُهر (يسمونها ترفيه) إرضاء للغرب، … حين يفعل حكامكم أيها المسلمون وأنظمة الحكم في بلدانكم كل ذلك وغيره، فقطعا يشعر رئيس دولة غربية، كإمانويل ماكرون رئيس فرنسا، بأنه إِلَه!
فالإله البشري يصنعه البشر، يصنعه من قبلوا أن يكونوا له عبيدا! ففرعون الذي قال للناس {فَحَشَرَ فَنَادَى فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} (سورة النازعات)، طاعة الناس له مع استخفافه بهم هي التي جرأته ليتأله عليهم {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} (سورة الزخرف).
فاعلموا أيها المسلمون أن طريق التحرر من استعباد الغرب المتغطرس لكم، وفرض احترام العالم لكم ولمشاعركم وهيبته منكم، لن يتحقق إلا بقلع الأنظمة المتسلطة عليكم في البلدان الإسلامية، الأنظمة التي جلبت لكم الذل والعار، حتى أصبح شاب غير ناضج فكريا، مثل الرئيس الفرنسي ماكرون، يستهزئ بكم ويعربد في بلدانكم، ويفتي في دينكم.
فلن تتحقق لكم العزة إلا بدولة مبدئية قوية تمثلكم فعلا أيها المسلمون، وتحكمكم فعلا بدين محمد، الرسول الذي غضبتم لإهانة فرنسا له، … دولة تعد ما يكفي من القوة المادية (عسكرية واقتصادية) تطرد بها أخيرا الاستعمار الغربي من بلدانكم، قوة تجعل دول العالم تعمل لكم ألف حساب، وتفكر ألف مرة قبل أن تَقْدِم على فِعْلٍ يسُؤْكم!
«كيف يرد المسلم على تهجم فرنسا على نبيه ودينه»
فهرس:
إلييتش راميريز سانشيز = Ilich Ramírez Sánchez
بانتان = Pantin