المقاطعة الاقتصادية من أقوى الأسلحة للتأثير في سياسات الدول وهي من أهم أساليب التأثير الأمريكية

من بين أهم الإجراءات تجاه الدول المعادية للمسلمين والمضطهدة لهم، مقاطعتها اقتصاديا، فالاقتصاد شريان حياة المجتمعات والدول، قطع ذلك الشريان يكسر العنجهية والكبرياء والغلو، ويجعل الدول تدرك حدودها ومحدوديتها وحاجتها للغير، ومن ثم تعيد حساباتها.
أول مقاطعة اقتصادية نصرة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم
وقد كانت اليمامة وقائدها الصحابي ثُمَامَة بْن أُثَال الْحَنَفِيّ، أول من اتخذ المقاطعة الاقتصادية عقوبةً لقريش على عداوتها للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، حيث قال ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ الْحَنَفِيِّ لقريش – وكان ذلك قُبيل فتح مكة حوالي السنة الثامنة للهجرة – : [وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (صحيح البخاري). وقد تألمت قريش من تلك المقاطعة الاقتصادية، فكتبت للرسول في المدينة تتوسله ليسمح بوصول المؤونة الى قريش، حيث ذكر ابن هشام في سيرته: [فَمَنَعَهُمْ (أي: ثُمَامَةَ بْنِ أُثَال سيد اليمامة) أَنْ يَحْمِلُوا إِلَى مَكَّةَ شَيْئًا، فَكَتَبُوا (أي قريش) إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إنَّكَ تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ (يذكرونه بصلة القرابة بينه وبين قريش)، وَإِنَّكَ قَدْ قَطَعْت أَرْحَامَنَا، وَقَدْ قَتَلْت الْآبَاءَ بِالسَّيْفِ، وَالْأَبْنَاءَ بِالْجَوْعِ”؛ فَكَتَبَ رَسُولُ الله إلى ثُمَامَةَ بْنِ أُثَال أَنْ يُخَلِّي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْحَمْلِ (سيرة ابن هشام).
«كيف يرد المسلم على تهجم فرنسا على نبيه ودينه»
فرنسا “المشاغبة” “المستفزة” كانت أحد أسباب إقدام أمريكا على إصدار أول قوانين “الحظر الاقتصادي”
وفي تاريخنا الحديث، وكما يعلم الكل، فالحصار الاقتصادي من بين أهم الأسلحة التي تتخذها أميركا ضد كل من يهدد مصالحها أو يخالف نظرتها السياسة. الجذير بالذكر أن أول قوانين “الحظر الاقتصادي” التي أقرتها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي عُرفت باسم «حظر جفرسون التجاري» (لأنه تم سنها في عهد الرئيس “توماس جفرسون”)، وهو عبارة عن سلسلة قوانين أصدرتها أمريكا ما بين سنة 1221هـ و1225هـ (1806م – 1810م)، كانت فرنسا “المشاغبة” “المستفزة” أحد أسباب إقدام أمريكا على تلك القوانين، وذلك بسبب الحروب الفرنسية الإمبريالية لـ”بونابارت نابوليون”، والمعروفة تاريخيا باسم «الحروب النابليونية» بين 1218هـ و1230هـ (1803م – 1815م)، والتي شنت فيها فرنسا الحرب على القارة الأوروبية، ووصلت أوجها – أي الحرب النابليونية – بدخول بريطانيا الحرب ضد فرنسا منذ 1218هـ / 1803م. وقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت تمارس سياسة الحياد، فلم تشارك في الحرب الأوروبية، ولم تساند أي طرف، وحاولت البقاء على علاقاتها التجارية مع الدول الأوروبية. قوانين “الحظر الاقتصادي”، ومنها قانون «حظر 1807»، كان سببها إصدار فرنسا قانونا يحظر التجارة بين الأطراف المحايدة، مثل الولايات المتحدة، وبريطانيا؛ إذ بدأت على إثره السفن الحربية الفرنسية في الاستيلاء على السفن التجارية الأمريكية. وفي عام 1222هـ/1807م، ردت بريطانيا على فرنسا بحظر التجارة بين الأطراف المحايدة (كالولايات المتحدة الأمريكية) وفرنسا. ومن ثم بدأ البريطانيون أيضًا في الاستيلاء على السفن الأمريكية وطالبوا جميع السفن الأمريكية بالتسجيل في الموانئ البريطانية قبل أن تتمكن من التجارة مع أي دولة أخرى. فكانت قوانين “الحظر الاقتصادي” الأمريكية، هدفها الأول حماية السفن التجارية الأمريكية، فمنعت التجارة مع أوروبا، وقامت بحصار تجاري بشكل أساسي مع بريطانيا وإيرلندا وفرنسا.
العقوبات الاقتصادية من أهم وسائل الضغط الأمريكية على الدول المُعادية لمصالحها
واليوم، وحسب تعريف وزارة الخزانة الأمريكية، أصبح “مكتب مراقبة الأصول الأجنبية” التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، [الجهة المكلفة بإدارة وإنفاذ العقوبات الاقتصادية والتجارية بناءً على السياسة الخارجية الأمريكية وأهداف الأمن القومي ضد الدول والأنظمة الأجنبية المستهدفة والإرهابيين ومهربي المخدرات الدوليين والمتورطين في الأنشطة المتعلقة بانتشار أسلحة الدمار الشامل، والتهديدات الأخرى للأمن القومي أو السياسة الخارجية أو الاقتصاد للولايات المتحدة الأمريكية] (انتهى الاقتباس). فالعقوبات الاقتصادية تُعتبر من بين أهم وسائل الضغط الأمريكية على دول العالم التي تهدد مصالحها – حسب النظرة الأمريكية للمصالح وليس حسب العرف الدولي والعدل المتفق عليه بالفطرة –. فهناك شعوب تم تجويعها ودول تمزيقها، بسبب سياسة المقاطعة الاقتصادية التي تمارسها أمريكا، فنتائج الحصار الاقتصادي الذي تفرضه أمريكا على الدول المغضوب عليها كارثي وتداعياته طويلة الأمد في غالب الأحوال. الولايات المتحدة الأمريكية تفرض عقوبات تشمل الدولة ككل والشعب كله، وأحيانا تفرض عقوبات على أفراد أو كيانات محددة داخل تلك الدول. والاطلاع على موقع وزارة الخزانة الأمريكية، تجد فيه لائحة طولها أكثر من 1400 صفحة تشمل أسماء الأفراد والمؤسسات التي تفرض عليها أمريكا حصارا ماليا واقتصاديا. ولعل من أشهر الدول التي فرضت عليها الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات طويلة الأمد، هي كوبا وإيران وكوريا الشمالية. وآخر تحديث، بتاريخ ذي الحجة 1441هـ/أغسطس 2020م، للائحة الدول التي فُرضت عليها عقوبات أمريكية، تجد فيها دولا كـ”البلقان”، وبيلاروسيا، وبوروندي، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وكوبا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وهونغ كونغ، وإيران، والعراق، ولبنان، وليبيا، ومالي، ونيكاراغوا، وكوريا الشمالية، والصومال، والسودان، وجنوب السودان، وسوريا، وأوكرانيا / روسيا، وفنزويلا، واليمن، وزمبابوي. والحصار الاقتصادي على العراق لمدة 13 سنة، من عام 1411هـ الى 1424هـ (1990م – 2003م)، عانى منه الشعب في العراق الأمرّين – وليس النظام العراقي –، حيث تحولت العراق من الغنى الى الفقر، وحُرم الناس مما يكفيهم من الغذاء والدواء، فضلاً عن تخلف العراق عن مواكبة التقدم في كل مجالات الصناعة والتقنيات الحديثة. وقد أدى حصار العراق إلى وفاة مليون ونصف مليون طفل نتيجة الجوع ونقص الدواء الحاد، واضطر بالكثير من العراقيين للهجرة إلى الخارج. وحين سُئلت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت في مؤتمر صحفي، هل تسبب الحصار على العراق في موت أكثر من نصف مليون طفل مُبرر؛ أجابت: “إننا نعتقد أن ثمرة الحصار تستحق ذلك”.
مقاطعة المنتوجات الفرنسية أقوى وسيلة لإجبار فرنسا على الاعتذار وإصدار قانون يجرم الإساءة للرسل ويمنع وصم الإسلام بالإرهاب
أمام تواطؤ الأنظمة والحكام في البلدان الإسلامية مع فرنسا ومع دول الغرب عموما ضد المسلمين، ومشاركتهم العداوة للإسلام، واعتبارهم – أي الأنظمة في البلدان الإسلامية ودول الغرب – أن محاربة الإسلام (الحرب التي يُطلق عليها “الحرب على الإرهاب” قصد التمويه) هي المصلحة العليا التي يجب أن يتمحور حولها النظام الأمني والاستخباراتي والتشريعي والسياسي لكل دول العالم، … أمام هذا الواقع، يبقى على الشعوب المسلمة والأفراد أن يقوموا هم، حسب المستطاع والقدرة، بمقاطعة كل المتوجات الفرنسية، من مواد غذائية ومواد تجميل، وسيارات، وملابس، الخ. فمقاطعة الشعوب المسلمة لكل المنتوجات الفرنسية من أقوى الوسائل لإجبار فرنسا على الاعتذار للمسلمين وإصدار قانون يُجَرِّم الإساءة للرسل عموما وللرسول محمد صلى الله عليه وسلم خصوصا، ويمنع وصم الإسلام بالإرهاب. على الغرب أن يتعامل مع جرائم يقوم بها أشخاص مسلمون، كما يتعامل مع الجرائم التي يقوم بها نصارى ويهود وعلمانيون وملحدون وبوذيون وهندوس، فلا يربط الجريمة بدين مرتكب الجريمة، ولا بالجالية المسلمة ولا بالشعوب المسلمة، فيعاقب مرتكب الجريمة لوحده / أو مرتكبي الجريمة لوحدهم، دون تجريم كل المسلمين والتشنيع بهم.
«الرئيس الفرنسي ماكرون يخاطبكم بعنجهية السيد ويعتبركم أيها المسلمون عبيده»