آراء قصيرة

لماذا تخصيص نعت المواطن الأمريكي من غير البيض بأصله الإفريقي أو اللاتيني أو الآسيوي؟

لما خطب البارحة جو بايدن بمناسبة إعلان فوزه بانتخابات الرئاسة الأمريكية، تحدث عن كامالا هاريس، مثمنا فوزها في الانتخابات بمركز نائب الرئيس رغم أنها من أصول آسيوية والسُّود (لأن أمها أصلها من الهند وأباها من جامايكا).

في المقابل، لم تُقدم كامالا هاريس، نائبة الرئيس المنتخبة، الرئيس المنتخب جو بايدن بالقول إنه فاز بالانتخابات الرئاسية، رغم أنه من أصول إنجليزية وفرنسية وإيرلندية! إذ أجداد جو بايدن من طرف الأب والأم من أصول إنجليزية وفرنسية وإيرلندية، كما هو منشور عن شجرة عائلته.

لماذا كلما ذُكِر مواطن أمريكي من غير ذوي البِشرة البيضاء الأوروبية، أضيف إليه أصله، كـ”أمريكي من أصول إفريقية”، أو “أمريكي من أصول لاتينية”، أو “أمريكي من أصول آسيوية”،”، أو “أمريكي من أصول هندية”، الخ؟

لماذا لا يُذكر الأصل حين الحديث عن الأمريكيين البيض، بالقول مثلا: “أمريكي من أصول إنجليزية”، أو “أمريكي من أصول إيرلندية”، أو “أمريكي من أصول أسترالية”، أو “أمريكي من أصول أوروبية”؟

لا يُذكر الأصل الأوروبي للأمريكيين البيض حين الحديث عن أحدهم، رغم أنهم ليسوا السكان الأصليين لأمريكا، بل هم من الغزاة المحتلين لأمريكا، بدأوا غزوها منذ 898هـ (1492م)، ولم يصبحوا يشكلوا الأغلبية الساحقة في الولايات المتحدة الأمريكية إلا بعد مجازر الإبادة الواسعة ضد السكان الأصليين للقارة الأمريكية.

السكان الأصليون لأمريكا، والمعروفون باسم “الهنود الحُمر”، انتقلوا من القارة الأسيوية الى القارة الأمريكية قبل أكثر من 15000 سنة.

لا يمكن تفسيرُ تخصيصِ نعت كل مواطن أمريكي من غير البيض بأصله، إلا لكون الأوروبيين البيض يعتبرون أنفسهم هم المقياس في كل شيء، هم الأساس، هم النموذج، هم الأصل، هم “الأمر الطبيعي”، فلذلك يُذكر الأبيض بأنه مواطن أمريكي وفقط، دون ذكر أصله الأوروبي. لكن كل مواطن يخالف شكله ما هو “طبيعي”، يخالف “الأصل” و”المقياس”، يخالف الشكل الأوروبي، فإنه يُنعت بأصله (أصل إفريقي أو لاتيني أو آسيوي، الخ)، للتأكيد “لاشعوريا” على أنه ليس الأمريكي الأصل، ليس “النموذج الأمريكي”، ليس الصاحب الأصلي للبلد، يُنعت بذلك ليُذكر بأنه من الممنون عليهم، من المُتسامح معهم الى حين؛ .. ومن ثم التأكيد بطريقة غير مباشرة على أن المواطن الأمريكي غير الأبيض ليس صاحب حقٍّ أصلِيٍّ طبيعي، بل الحقوق التي يتمتع بها كمواطن أمريكي هي حقوق مُكتسبة، أو بالأحرى ممنوحة من قِبَل الأمريكي الأصلي، من قِبَل الأمريكي الأبيض – الأمريكي الأوروبي الأصل –. الإنسان الأبيض حين ينعت الإنسان غير الأبيض بأصله، فإنما يعبر بطريقة غير مباشرة عن غطرسته وتكبره وكبريائه وسيادته وعلوه، ومن ثم بأن الحقوق التي يتمتع “غير البيض” هي مِنَّة وحسنة وعطف ولطف وتسامح من قِبَل الإنسان الأبيض تجاه غير البيض.

فإضافة أصل المواطن الأمريكي من غير ذوي البِشرة البيضاء الأوروبية، هو قطعا أحد مظاهر العنصرية المقيتة التي يشبع بها الإنسان الأبيض غطرسته وعنجهيته، دون أن يُدرك غير البيض ذلك.

Print Friendly, PDF & Email
اظهر المزيد

مجلة التنوير

موقع مستقل منبر للتحليل العميق للأحداث في العالم منصة لتنوير العقول وإحياء القلوب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Enter Captcha Here : *

Reload Image

زر الذهاب إلى الأعلى