ملف مقاطعة فرنساهوية وثقافة

هل تعرفون عَلَامَ تقاطعون المنتجات الفرنسية؟

اعلموا أيها المسلمون أن المُبتغى من مقاطعة المنتجات الفرنسية، ليس ليعتذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أو حكومته أو وزراءه على مساندتهم للرسوم المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم؛ فبئس المبتغى إن كان كذلك!

فالصراع مع فرنسا أعمق بكثير من رسوم مسيئة للرسول أو اعتذار عنها، بل هي حرب عقائدية واستئصالية تشنها فرنسا ضد المسلمين أنفسهم، فمساندة فرنسا للرسوم المسيئة للرسول ما هي إلا أحد مظاهر الحرب الاستئصالية التي أعلنتها على المسلمين في فرنسا أولا وفي العالم الإسلامي ثانيا. فهدف فرنسا هو أن يرتد المسلمون – خصوصا في فرنسا – عن الإسلام كلية، ويعتنقوا العلمانية كدين وعقيدة، بعدما اتخذوها (أي العلمانية) منهجا في التفكير والعمل في كثير من شؤون حياتهم.

«”الدين العلماني الخطير في فرنسا” مقالٌ حذفته مجلة “السياسة” الأوروبية: نموذج لـ”حرية التعبير”»

فأنتم أيها المسلمون في حرب حقيقية مع فرنسا، حرب عقائدية، حرب تمارس فيها فرنسا وسائل الاضطهاد والتخويف والتشهير والكذب، لتضغط على المسلمين ليرتدوا عن الإسلام ويعتنقوا العلمانية كدين، وهذا الارتداد عن الإسلام يبدأ بصناعة “إسلامي علماني” كمرحلة انتقالية. فما تمارسه فرنسا اليوم ضد المسلمين في فرنسا، يتجه نحو ما فعله أجدادها النصارى في الأندلس عندما قضوا على دولة المسلمين هناك، وبدأوا حربا عقائدية استئصالية ضد المواطنين المسلمين، كان الهدف منها إجبار المسلمين على اعتناق الديانة النصرانية، وطرد من لم يشأ منهم الردة عن الإسلام من الأندلس. ولم تكتفي الدولة الإسبانية بإعلان المسلمين تحولهم للنصرانية والتزامهم في الظاهر بها، بل سعت لأن يتحول المسلمون ظاهرا وباطنا للنصرانية، فأنشأت ما بات يسمى بمحاكم التفتيش، محاكم خاصة لها عيون وجواسيس من الجيران والمعلمين والممرضين الخ، لتتبع ما باتوا يُعرفون بالموريسكيين، لمعرفة من لازال منهم على ملة الإسلام ويمارس في الخفاء شعائره، ومن ثم محاكمته ومعاقبته؛ ولتتبع كل من تحول من المسلمين للنصرانية للتأكد من عدم مخالفتهم لمعتقدات الكنيسة الكاثوليكية، واتباعهم تعاليمها. بإنشاء محاكم التفتيش بدأت أكثر الفصول وحشية ودموية في تاريخ الكنيسة النصرانية الغربية، حيث كانت تمارس المحاكم أبشع وسائل التعذيب ضد المتهمين، وإجبارهم على التحول للنصرانية، وفرض غرامات مالية عليهم، أو الحجر على كل ممتلكاتهم وطردهم من الأندلس. وقد شملت وظيفة محاكم التفتيش اضطهاد اليهود أيضا وتنصيرهم أو طردهم من الأندلس، بعدما كانوا (أي اليهود) يعيشون عصرهم الذهبي تحت حكم المسلمين، معززين مكرمين آمنين، يمارسون ديانتهم اليهودية بدون أدنى خوف أو اضطهاد.

ففرنسا اليوم تعتقل المسلمين لمجرد أنهم مسلمون ويمارسون شعائرهم الإسلامية، ويرفضون الإساءة لنبيهم محمد. فرنسا التي تمنح حرية التعبير لكل من يريد سب الإسلام والرسول محمد، تحرم المسلمين من حقهم في حرية التعبير المتمثلة في رفضهم لسب الرسول والإساءة إليه، إذ تفرض عليهم أن يتقبلوا بصدر رحب الإساءة لرسولهم محمد، وألا يحتجوا على ذلك، ونحن نتكلم هنا عن الاحتجاج السلمي، احتجاج باللسان والقلم!

فرنسا تغلق مئات المساجد لأنها لا تتماشى مع تعاليم العلمانية، ولا تعمل على علمنة المسلمين، لا تعمل على تهجين الإسلام وعلمنته.

فرنسا تحرض الشعب الفرنسي بكل أطيافه ضد المسلمين، وتحرض المسلمين ضد بعضهم البعض، فتحثهم على التجسس على المسلمين ومعرفة طريقة تفكيرهم، والتبليغ عن أي مسلم يعبر عن رأي إسلامي، رأي يخالف العلمانية الفرنسية، أو يستنكر ممارسات الاضطهاد التي تمارسها فرنسا وعلمانيتها الشرسة ضد الإسلام والمسلمين.

فرنسا تعتقل الأطفال وتحقق معهم، إذا بلَّغ عنهم المدرسون أو زملائهم في المدرسة بأنهم عبروا عن أفكار تخالف “التعاليم” العلمانية. فهل تجرؤ فرنسا على اعتقال أطفال من أبناء اليهود أو النصارى أو العلمانيين أو غيرهم من الملل الأخرى والتحقيق معهم؟

فرنسا أصدرت قوانين تجرم من ترفض من المسلمات أن يفحص عليها طبيب رجل، أو من يرفص من المسلمين الذكور أن تفحص عليه امرأة، وتعاقبهم.

فرنسا تجبر المسلمات على التبرج، بمنعهن ارتداء الحجاب في المدارس وأماكن العمل، وتفرض على التلميذات المسلمات السباحة مع الذكور نصف أو شبه عاريات.

فرنسا تسحب الجنسية الفرنسية وحق الإقامة من آلاف المسلمين وتطردهم من فرنسا، لمجرد حملهم أفكارا إسلامية تخالف تعاليم العلمانية.

فرنسا يمكنها في أي وقت أن تقتحم أي مسكن أو مسجد أو مؤسسة للمسلمين، وتفتيشها والاطلاع على عورات أهلها وإهانتهم وضربهم واعتقالهم، دون رقيب أو حسيب.

فرنسا تتتبع المسلمين في كل شيء، لتفحص مدى ولائهم العقائدي للعلمانية.

كما أنشأت الكنيسة النصرانية محاكم التفتيش لاضطهاد المسلمين واستئصالهم من الأندلس، إما بتنصيرهم أو طردهم أو قتلهم، كذلك فرنسا اليوم وديانتها العلمانية تمشي على خطى حثيثة لإعادة إحياء محاكم التفتيش، لعلمنة المسلمين أو معاقبة من لم يرد الارتداد عن الإسلام أو طرده من فرنسا.

ففرنسا بدأت حربا طويلة المدى ضد المسلمين، حربا استئصالية لكل ما هم إسلامي، ومن ثم فمقاطعة المنتجات الفرنسية يجب أن تكون أيضا مقاطعة طويلة وبعيدة المدى، مقاطعة ليس هدفها تافه سطحي يتمثل في اعتذار لفظي للرئيس الفرنسي أو لوزراء فرنسا، ولكن لإحداث تغيير قانوني وسياسي في فرنسا يحمي المسلمين، قوانين تحمي أعراض المسلمين وتمكنهم من حقهم في حرية التعبير حسب معتقدهم، وحقهم في ممارسة شعائر دينهم دون أي اضطهاد، تماما كما يحمي القانون الفرنسي اليهود والعلمانيين وغيرهم. قوانين تجرم الإساءة للرسل وعلى رأسهم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. قوانين تبيح للمسلمة ارتداء الحجاب، وتمنحها الحق في الامتناع عن أن يكشف عنها طبيب رجل، وحقها في الامتناع عن ممارسة الرياضة مع الذكور وبملابس تظهر عورتها أمام الرجال. قوانين تمنع ربط الإسلام بالإرهاب، وتمنع تحميل كل المسلمين مسؤولية جرائم يقوم بها فرادى من المسلمين، بحيث تفرض تلك القوانين على الدولة أن تتعامل مع جرائم قام بها مسلمون تماما كما تتعامل مع جرائم يقوم بها نصارى أو يهود أو علمانيون أو غيرهم، بحيث لا تربط الجريمة بدين المجرم وأتباع تلك الديانة، بل تقتصر على محاكمة الجاني لوحده ومعاقبته.

في زمن ليست لكم فيه دولة تمثلكم قلبا وقالبا، تعبر عن مشاعركم وتحفظ دينكم وتوالي دول العالم أو تعاديها حسب مدى معاداتها أو مسالمتها للمسلمين، .. في زمن كهذا، ليس لكم أيها المسلمون إلا سلاح المقاطعة التجارية والاقتصادية، وهو سلاح قوي وفتاك، سلاح مرعب.

«المقاطعة الاقتصادية من أقوى الأسلحة للتأثير في سياسات الدول وهي من أهم أساليب التأثير الأمريكية»

فأنتم أيها المسلمون تقاطعون المنتجات الفرنسية، حفاظا على دينكم وهويتكم وكرامتكم وعزتكم وإنسانيتكم، أنتم تخوضون حربا عقائدية، فإما أن تستسلموا لفرنسا وتخسروا دينكم بموالاتها اقتصاديا أو عقائديا أو إعلاميا، أو تصابروا وتداوموا على المقاطعة حتى تستسلم فرنسا وتغير قوانينها وسياساتها تجاه المسلمين، كما سبق الذكر. فأنتم أيها المسلمون تخضون حربا عقائدية ضد عدو عقائدي شرس، قال عنه الله: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فأولئك حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وأولئك أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (سورة البقرة).

Print Friendly, PDF & Email
اظهر المزيد

مجلة التنوير

موقع مستقل منبر للتحليل العميق للأحداث في العالم منصة لتنوير العقول وإحياء القلوب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Enter Captcha Here : *

Reload Image

زر الذهاب إلى الأعلى