اجتماع تربية تعليم

الأبناء يقلدون الآباء

يشكو الآباء والأمهات أن أبنائهم غير مطيعين وغير مهتمين بالدراسة وغيرها من النقائص والمشكلات، فإذا بحثنا عن الأسباب وجدنا أن السبب لهذه المشكلات هم الآباء. فبينما يشكو الأب من ابنه الذي لا يهتم بترتيب خزانة ملابسه ويلقي بفردة حذاء هنا وفردة هناك ويظل كل صباح يلاحق الزمن من أجل البحث عن فردة حذاء ضائعه؛ نجد الأب يلاحق الزمن من أجل أن يجد المفاتيح أو حافظة النقود، فهو يلقي بأي شيء في أي مكان ثم يبذل الجهد الكبير في محاولة أن يجد أشياءه الضائعه. والأب الذي يؤكد على أبنائه وجوب وضع الأشياء في مكانها ومراعاة عدم الفوضى، مثلا عندما يكون الأب في البقالة مع أبنائه فيأخذ سلعة ثم يغير رأيه فلا يشتريها فإذا به يعيدها إلى غير مكانها؛ أو يجد مالا في الطريق فيحتفظ به بدلا من أن يبحث عن صاحبه؛ أو يكون في مطعم من المطاعم فيخطئ من يحاسبه فيأخذ أقل من الحساب، فيعلق الأب: هذه مشكلته وليست مشكلتي. يؤجل أعماله حتى اللحظة الأخيره بينما يطالب الأبناء دائما ألا يؤجلوا عمل اليوم إلى الغد، هذا الأب بالطبع يمثل في الواقع جزءا من مشكلة أبنائه التربوية وليس جزءا من حلها . إن الأبناء في كل تلك الأحوال يستغربون ما يرونه من تصدع بين الأقوال والأفعال في سلوكيات أبيهم ويقفون في البداية موقف الحائر المتردد العاجز عن فهم مواقفه أو تأويلها، ولكنهم مع مرور الزمن يدركون أنه ليس على المرء أن يحمل كل ما يقال على محمل الجد، وأن التطابق بين الأقوال والأفعال غير موجود غالبا، ومن خلال الصراع الدائر في نفوسهم بين ما يُقال وما يُفعل تتشكل داخلهم مجموعه كبيره من المشاعر السلبية المزعجة التي تضعف في النهاية من صلابة شخصياتهم ونقاء نفوسهم. بل إننا لا نبالغ إن قلنا أن كل مشكلة تربوية للأبناء، هي في حقيقتها مشكلة أبوين قد يشكون من تصرفات أبنائهم ويصفونهم بأنهم لا يقدرون الآخرين …. لا مبالين …. غير منتبهين ….، يكون السبب الحقيقي أن الزوج أو الزوجه يتصرف كل منهم بنفس الطريقة. مثلا ينزعج الرجل من عدم قدرة زوجته على القيام بإصلاح الأعطال البسيطه في المنزل، فيصرخ في ابنته عندما تتصرف بنفس الطريقة، وهو في الحقيقة غاضب من زوجته. أو تشعر الزوجه أن زوجها يهمل ترتيب ما يحدثه من فوضى، فتصرخ في أولادها: هلا نظفتم هذه الفوضى التي أحدثتموها يا أولاد، في الحقيقة تصرخ في زوجها كي يساعدها قليلا في أعمال المنزل . وتصل الأمور إلى قمة الخطأ التربوي حين يصبح تصرف الطفل أسلوبا خفيا للوم أحد الزوجين للآخر. ولا يجدي بالطبع أن نتظاهر أمام أبنائنا بالسلوكيات الحسنة، لأن هؤلاء الأبناء يدركون في الحقيقة ما وراء المظاهر. إننا قد نتزين لأبنائنا لنبدو أمامهم أحسن ما يكون فنتظاهر  بامتثال الأخلاق. إن النفوس مجبولة على عدم الانتفاع بكلام من لا يعمل بعلمه، إنه حين تتناقض الرسالة اللفظية  – التلقين –  مع الرسالة غير اللفظية – العمل -، فإن الأبناء يميلون إلى تصديق الرسالة غير اللفظية لأن ما نفعله يتكلم بصوت عال لدرجة أن أبناءنا لا يستطيعون سماع ما نقوله، إن مصدر قوتنا في تربية أبنائنا هو التصرف بشكل صحيح وفق ما نريد أن يستقيم عليه أبناؤنا من قيم .



 

جميع الآراء الواردة بهذا المقال تعبر فقط عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

Print Friendly, PDF & Email
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى