لقاح فيروس التاج: دويلات الرويبضة في البلدان الإسلامية تعيش خارج التاريخ

اللقاح ضد الجدري كان أول لقاح تم استعماله في العصر الحديث، سنة 1210هـ (1796م)، من قِبَل الطبيب البريطاني إيدوارد جينر. لقاح الجدري تم استعماله حتى قبل أن يتم التعرف على جهاز المناعة وكيف يشتغل، وقبل أن تُعرف المادة المُسببة لمرض الجدري (لم يتم اكتشاف أن نوعا من الفيروسات هو المسبب لمرض الجدري، إلا بعد أكثر من مائة سنة من استعمال اللقاح الناجح ضده).
ومع بداية اكتشاف أن جراثيم حية دقيقة هي التي تسبب الأمراض المعدية منذ النصف الثاني من القرن الثالث عشر هجري (النصف الثاني من القرن التاسع عشر ميلادي)، بدأ تطوير اللقاحات ضدها بطريقة مُمَنهجة، فتم تطوير أول لقاح سنة 1297هـ (1880م) ضد الهَيْضَة (كوليرا)، المرض الذي يسببه جرثوم “ضمة الهَيْضَة”. وهكذا توال تطوير اللقاحات ضد عدد من الجراثيم، ساهمت في القضاء على بعض الأمراض المُعدية في كثير من بلدان العالم التي تبنت سياسات التلقيح الشعبي.
فاللقاح هو أهم وأنجح وسيلة للوقاية من الأمراض المعدية، وهكذا لما انتشر وباء فيروس التاج المُستجد، “فيروس التاج 2019” (كوفيد 19)، وتبين سرعته في الانتشار الواسع وخطورته على حياة الناس خصوصا كبار السن والذين يعانون من أمراض مزمنة أو ضعف في المناعة، سارعت كثير من دول العالم الى تطوير لقاح ضد الفيروس.
لقاح “فيروس التاج 19” سيدخل التاريخ كأول لقاح تم تطويره في وقت قياسي، استغرق تطويره حوالي سنة فقط. عادة يستغرق تطوير لقاحٍ في المعدل 10 الى 15 سنة. قبل “فيروس التاج 19″، كان أسرع لقاح تم تطويره هو اللقاح ضد “الحمى النزفية” (يسببه فيروس إيبولا) الذي استغرق 5 سنوات وتم ترخيصه سنة 1440هـ (2019م).
كما أن “فيروس التاج 19” سيرتبط بتطوير وترخيص أول لقاح في التاريخ يستعمل مادة الحمض النووي الريبوزي “آر إن إي” للتلقيح. نُسَخٌ من الحمض النووي الريبوزي الذي يحمل شفرة إنتاج أحد بروتينات غشاء “فيروس التاج 19″، مغلفة في جسيمات دهنية دقيقة (قطرها أقل من 100 نانوميتر)، يتم حقنها في عضلات الانسان، لتبتلعها خلايا الجسم وتستعملها لصناعة البروتين الفيروسي وإفرازه. خلايا المناعة تتعرف على هذا البروتين على أنه جسم غريب، فتنشط وتُكَوِّن أجساما مضادة وخلايا تائية ضده.
اقرأ أيضا: «لمحة وجيزة عن كيفية تنشيط اللقاح مناعةً ضد الجراثيم»
الزمن القياسي في تطوير لقاح “فيروس التاج 19” يعود للتمويل الهائل الذي منحته الدول لشركاتها لتطوير اللقاح، تمويل تحت “المغامرة”، أي أن الشركات ستحصل على الأموال والأرباح بغض النظر عن النتائج. كما أنه سُمِح للشركات، – تحت قانون طوارئ الأوبئة –، بتجاوز التسلسل التقليدي في طريقة تطوير اللقاح، حيث استطاعت البدء في المراحل المختلفة للتجارب المُتعارف عليها في تطوير الأدوية تقريبا في نفس الوقت، أو وقت متقارب، أي البدء في المرحلة التالية من التجارب قبل الانتهاء من المرحلة السابقة والتقييم الكامل لنتائجها.
هناك في المجموع أكثر من 150 مشروع لقاح ضد “فيروس التاج 19” تقوم به عشرات الشركات في عشرات الدول في العالم. من هذه المشاريع، 52 لقاحا دخلوا مرحلة التجارب السريرية، أي التجارب على الإنسان، منها 13 لقاحا وصل المرحلة الثالثة (وهي تقريبا آخر مرحلة) من التجارب السريرية.
الشركات المساهمة في تطوير اللقاحات التي وصلت المرحلة الثالثة من التجارب السريرية، هي 6 شركات صينية، وشركة روسية، وشركة بريطانية، وشركة هندية، و4 شركات أمريكية، وشركة ألمانية، وشركة كندية.
وقد بدأ التلقيح الشعبي في بعض الدول، إما باستعمال اللقاح الذي شاركت في إنتاجه شركة “فايزر” الأمريكية وشركة “بيونتك” الألمانية، أو باستعمال لقاحين صينيين كاللقاح الذي أنتجته شركة “سينوفاك”؛ أو اللقاح الروسي، “شبوتنيك 5″، الذي طوره مركز غاماليا الوطني لأبحاث علوم الأوبئة والأحياء الدقيقة.
الدول الغربية ستعتمد غالبها استعمال اللقاحات التي تطورها شركات غربية، كالشركات الأمريكية والأوروبية، مثل لقاح “فايزر – بيونتك”. أما اللقاحات الروسية والصينية، فهي التي ستستعملها غالب الدول الإفريقية والآسيوية.
اللقاحات الروسية والصينية ثمنها أرخص من اللقاحات الأمريكية – الأوروبية، لكن غير مؤكد إن كانت استوفت كل معايير الأمان. أما من ناحية الكفاءة والقدرة على الحماية ضد “فيروس التاج 19″، ومدة الحماية، فلا يمكن حتى الساعة إعطاء حكم دقيق موضوعي عن أي من اللقاحات المستعملة، لا الأمريكية – الأوروبية، ولا الروسية والصينية.
كيانات سايكس بيكو في العالم الإسلامي تعيش خارج التاريخ
بالنظر للائحة الدول المساهمة في تطوير لقاحات ضد “فيروس التاج 19″، لن تجد أي شركة أو معهد علمي من البلدان الإسلامية، لا الدويلات العربية ولا الأعجمية، اللهم دعايات إعلامية عن محاولات متواضعة من إيران وتركيا لتطوير لقاح ضد “فيروس التاج 19″، لكن ليست هناك نتائج لأبحاث أولية ولا سريرية عن تلك المحاولات، ناهيك عن أن تركيا اشترت اللقاح الصيني وتعتزم البدء في استعماله في تلقيح شعبي واسع ابتداء من أواخر ربيع الثاني 1442هـ (15 ديسمبر 2020م). وإيران تكافح ضد الحصار المفروض عليها، للحصول على لقاح من الخارج، اللقاح الصيني و/أو الروسي.
أما الدويلات العربية، فقد أجرت الصين التجارب السريرية في شعوبها، كالإمارات والمغرب وغيرها من البلدان العربية.
الكيانات التي تسمى بحق “دُوَلا” توفر وتجهز بنية تحتية ومعاهد وشركات محلية لتقوم بأبحاثها الخاصة لتطوير لقاح محلي. وتوفر القدرات والكفاءات والمعاهد العلمية والتقنية والمالية لفحص الأدوية واللقاحات المحلية والأجنبية قبل استعمالها على مواطنيها.
أما كيانات سايكس بيكو في العالم الإسلامي، كيانات الرويبضة، فليست دولا، ولذلك يُطلق عليها مجازا “دويلات”! هذه الدويلات تعيش خارج التاريخ، تنتظر روسيا والصين ودول الغرب ليصنعوا لقاحا ضد “فيروس التاج 19″، ليجربوه في المسلمين. ليس لدويلات سايكس بيكو حتى قدرات وكفاءات ومعاهد علمية وتقنية محلية يمكنها القيام بفحص دقيق وقيم للقاح قبل ترخيصه واستعماله. شركات اللقاح الصينية والروسية والغربية هي التي تحدد معايير التجارب السريرية التي تقوم بها في البلدان الإسلامية. وزارات الصحة في دويلات الرويبضة ترخص اللقاح ليس على أساس بحث وفحص علمي دقيق ذاتي محلي، وإنما تتبنى نتائج الدول التي تبيع لها اللقاح. هذه جريمة بحق شعوبها، وتقصير خطير في مسؤوليتها تجاه صحة مواطنيها وسلامتهم.
المسلمون يشكلون حوالي ثلثي سكان الكرة الأرضية، أي حوالي ملياري نسمة، ومع ذلك يعيشون خارج التاريخ، خارج قطار الحياة، بسبب الحكام الرويبضة، بسبب الحكام السفهاء. دويلات الرويبضة في العالم الإسلامي لا يساهمون في أي تطور مادي للبشرية، لا يطورون وينتجون حتى ما يحتاجونه من صناعات وأدوية وأسلحة وأدوات الاتصالات، الخ. ملياري مسلم يعيشون في الكون كفئران تجارب فقط، وكمستهلكين فقط لما تنتجه الأمم النشطة.
الحكام الرويبضة في العالم الإسلامي يبدرون آلاف المليارات في الأمور التافهة غير النافعة: شراء أسلحة؛ بناء شبكات تجسس محلية ودولية ضد المسلمين؛ تمويل محطات إعلامية منحطة لمحاربة الإسلام وتغريب المسلمين والتطبيل للحكام الرويبضة؛ تمويل حروب بالوكالة وتمويل ما يُسمى “الحرب على الإرهاب”، الحرب التي يقودها الغرب وعلى رأسه أمريكا؛ تمويل مشاريع سياسية وثقافية واستعمارية غربية؛ دفع الجزية لأمريكا وأوروبا؛ شراء طائرات ومراكب فخمة للملوك والأمراء والرؤساء؛ شراء لوحات “فنية” للبرهنة للغرب أن الحكام الرويبضة متفتحون ومتحضرون؛ بناء قصور للملوك والرؤساء والأمراء؛ تنظيم مهرجانات الفجور من غناء ورقص ومهرجانات ومسابقات رياضية؛ بناء منتجعات سياحية في البلدان الإسلامية ليرتاح فيها المواطنون الغربيون؛ .. وغير ذلك من المشاريع التافهة والفاشلة والمستنزفة التي لا تحقق قوة ولا تحقق اكتفاء ذاتيا فيما تحتاجه الشعوب المسلمة من ضروريات.
الولايات المتحدة الأمريكية مثلا دفعت حوالي 11 مليار دولارا أمريكيا للشركات والمعاهد الأمريكية لتطوير عدة لقاحات ضد “فيروس التاج 19”. لماذا لا تخصص دويلات سايكس بيكو أيضا مليارات لتأسيس شركات ومعاهد لتطوير لقاح واحد ضد “فيروس التاج 19″؟
البلدان الإسلامية لها ما يكفي ويزيد من الموارد المالية، ولها ما يكفي ويزيد من الكفاءات العلمية البشرية، وكثير من المسلمين الخبراء في مجال تطوير اللقاحات يعملون في شركات غربية لتطوير لقاحات ضد “فيروس التاج 19″، فالذي يفتقده المسلمون هو الإرادة السياسية للأنظمة المتحكمة في البلدان الإسلامية. المشكلة تكمن في أنظمة تافهة وحكام تافهين، همهم فقط أن يصنعوا من أنفسهم أصناما تُعبد من دون الله. كل الموارد المادية والمالية، وكل الخيرات التي وهبها الله للبلدان الإسلامية، يبدرها الحكام الرويبضة في الحفاظ على عروشهم، وتركيع شعوبهم، وتجهيل المسلمين. فالتجبر والحكم السلطوي والاستبدادي، والرأي الواحد – رأي الحاكم –، وتركيع الناس للحاكم، لا يسمحوا أبدا بتقدم علمي مادي، ناهيك عن الرقي الخلقي والحضاري.
العالم الإسلامي يعيش زمن الرويبضة
إننا نعيش اليوم في العالم الإسلامي زمن الخونة، زمن الكذابين، زمن السفهاء، زمن الرويبضة، زمن التافهين، زمناً قال عنه الرسول: «تأتي على النَّاسِ سَنواتٌ خدَّاعات، يُصدَّقُ فيها الكاذبُ، ويُكَذَّبُ فيها الصَّادقُ، ويؤتَمنُ فيها الخائنُ، ويخوَّنُ فيها الأمينُ، وينطِقُ الرُّوَيْبضة»، قيلَ: يا رسولَ اللَّهِ وما الرُّوَيْبضةُ؟ قالَ صلى الله عليه وسلم: «الرَّجلُ التَّافِهُ يتَكَلَّمُ في أمرِ العامَّةِ» (المستدرك على الصحيحين للحاكم). .. نعم، إنه زمن الحكام التافهين، يقررون مصير العامة!
فهرس
الحمض النووي الريبوزي، “آر إن إي” = Ribonucleic acid, RNA
“سينوفاك” = Sinovac
فايزر = Pfizer
بيونتك = BioNTech