علوم شرعية وفقهية

من زوال إسرائيل عام 2022 الى تمددها ابتداء من 2020، الجزء الثاني

“الإعجاز العددي” من الأفكار الباطنية الضالة

“النبوءات الرقمية” و”الإعجاز العددي” يمكن اعتبارها من الأفكار الباطنية، إذ تتجاوز معاني الألفاظ والآيات الظاهرة التي يفهمها الناس بواسطة اللغة العربية، لتزعم (أي هذه الأفكار الباطنية) أن هناك مفهوما باطنا مخبئا لا يمكن استخراجه إلا بعَدِّ أحرف القرآن والقيام بعمليات جمع وطرح لأرقام موضع الأحرف والآيات، وللأعداد التي تُنسب لكل حرف حسب “حساب الجُمَّل”. هذا افتراء وكذب وضلال، لم يرد قط عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه جلس يحسب مع الصحابة عدد الأحرف في القرآن وموضعها الرقمي، ويجمع ويطرح أعدادا ليستنتج تواريخ لأحداث أو يستشرف حدوثها.

الله أنزل القرآن باللغة العربية، ومن ثم لم يعتمد إلا على اللفظ العربي ومعناه الاصطلاحي أو اللغوي لتبليغ الأحكام والأخبار. ولم يعتمد أرقاما أو حسابات أو نُظُم عددية كما ابتدع المُتَخَرِّصون. ولو كان القرآن يحتوي على غيبيات وأخبار وأحكام مخبأة في “نُظُم عددية” وأرقام وحسابات، لأبلغنا الرسول صلى الله عليه وسلم بطبيعة تلك “النظم العددية” والحسابات، وعلمنا كيف نستخرج عن طريقها الأخبار الغيبية والأحكام. وإلا سيكون قد قصَّر في تبليغ الرسالة كاملة، إذ لم يبلغنا بأحد أدوات استنباط الأحكام والأخبار الغيبية من القرآن، وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يكون قصَّر في التبليغ، فقد قالت عائشة رضي الله عنها: «مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ (أي الرسول) كَتَمَ، فَقَدْ كَذَبَ»، ثُمَّ قَرَأَتْ من سورة المائدة {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (صحيح البخاري). والله سبحانه نفى عن الرسول عدم تأديته رسالته كاملة شاملة، فقد قال سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (سورة المائدة).

فلا يجوز الإتيان بمنظومة جديدة في كيفية الاستنباط من القرآن والسنة، لم يُشَرِّعها صاحب الوحي ولم يقرها، فهذا يدخل في باب التحريف، ويؤدي لا محالة إلى استنتاج أحكام وأخبار وغيبيات باطلة مضللة تُنسب كذبا للإسلام.

فليس هناك علم شرعي، سواء علم أساسي (كالفقه والتفسير) أو علم مساعد (كأصول الفقه واللغة العربية)، إلا وأصله من صاحب الشرع (الله) ومبلغه (رسول الله صلى الله عليه وسلم). فعلوم العقيدة والفقه والتفسير والحديث كلها علوم وضع أساسها الرسول صلى الله عليه وسلم، فمُبَلِّغ الوحي هو من وضع الأسس والأدوات لدراسة الوحي وكيفية استنباط الأحكام منه، الخ. أما ما يسمى “الإعجاز العددي” و”النُّظم العددية”، فهذه ليست علما، ولا أصل لها في القرآن والسنة، بل هي من الدجل.

وقد أخبرنا الله في القرآن ورسوله في السنة بعدة غيبيات، دون استعمال ألغاز رقمية وشفرات مبطنة، بل ألفاظا عربية فصيحة. فمثلا أخبرنا الرسول بالمسيح الدجال الذي سيخرج في آخر الزمان، فبين لنا أوصافه وشكله ومكان خروجه وكيفية التعامل معه، أذكر منها مثلا قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، أَلاَ إِنَّ المَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ العَيْنِ اليُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، وَأَرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الكَعْبَةِ فِي المَنَامِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ، كَأَحْسَنِ مَا يُرَى مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ تَضْرِبُ لِمَّتُهُ بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ، رَجِلُ الشَّعَرِ، يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، ثُمَّ رَأَيْتُ رَجُلًا وَرَاءَهُ جَعْدًا قَطِطًا أَعْوَرَ العَيْنِ اليُمْنَى، كَأَشْبَهِ مَنْ رَأَيْتُ بِابْنِ قَطَنٍ، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلٍ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: المَسِيحُ الدَّجَّالُ» (صحيح البخاري).   

القرآن كتاب قراءة وتدبر وليس كتاب حساب

المطلوب من الناس فَهْم القرآن وتدبره واستنباط الأحكام والأخبار الغيبية والمشهودة منه، وليس ترقيم ألفاظه وحسبها وجمع أعدادها وطرحها.

وهناك أداة واحدة لفهم القرآن والاستنباط منه، وهي فَهْم مدلول الألفاظ وليس رقمها وعددها، فَهْم مدلولها الاصطلاحي الذي وضعه الشارع أو مدلولها اللغوي.

معاني الآيات وألفاظها، كما علمنا الرسول، تُفَسَّر بالقرآن وبالسُّنة النبوية أو بالمعنى اللغوي.

سياق الألفاظ وسبب نزول الآيات والاصطلاح الشرعي الذي جعله الشارع للألفاظ، هي المفسرة في المقام الأول للآيات والمبينة للأحكام التي تحوي عليها وكيفية تنفيذها. ومن ثم المفهوم الذي يبينه القرآن أو السنة (الاصطلاح الشرعي) مُقدم على المفهوم اللغوي. وما لم يكن تقييدٌ للمعنى بنص قرآني أو حديث نبوي، يُؤخذ ساعتها بالمفهوم اللغوي الذي يتحمله اللفظ أو تتحمله الجملة حسب قواعد وأصول اللغة العربية.

من بين الأمثلة على تفسير القرآن بالقرآن، الحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، حيث قال: لَمَّا نَزَلَتْ آية {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} (سورة الأنعام)، شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالُوا أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَه؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ هُوَ كَمَا تَظُنُّونَ، إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (سورة لقمان)» (صحيح مسلم). ومن ثم فالظلم في آية {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} المقصود به الشرك.

وكما أوكل الله للرسول تبليغ القرآن، كلفه أيضا بتبيان ألفاظه ومعانيه، وهذا هو تفسير القرآن بالسنة، فقد قال سبحانه: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (سورة النحل). وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ} (سورة الحشر). فكثير من الأوامر جاءت مجملة في القرآن، ولولا أن بين لنا الرسول تفاصيلها ما كنا قادرين على القيام بها، كالصلاة والحج وغيرها من الأحكام. وأذكر من ذلك على سبيل المثال لا الحصر قول الرسول: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»، «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (صحيح مسلم).

الرسول اتبع طريقة واضحة ثابتة في تبليغ القرآن وتبيان أحكامه وكيفية تدبره وتلاوته، طريقة متواترة نقلها الصحابة والتابعين ووصلتنا الى عصرنا هذا. فالرسول لم يجلس مع الصحابة ليحسبوا عدد الأحرف في القرآن وموضعها الرقمي، ويجمع ويطرح أعدادا ليستنتج من ذلك تواريخ لأحداث أو يستشرف حدوثها. بل كان صلى الله عليه وسلم يتناول مع الصحابة الآيات نفسها وليس أرقامها وعدد أحرفها، ليشرح لهم معناها، ويرسخ إيمانهم بها، ويعلمهم ما تأمر به من حلال وحرام، ويحثهم على العمل بما تأمر به.

وكذلك من أساليب تعليم الرسول للمسلمين، أنه كان يرشدهم للآيات التي يستنبطون منها حكمَ ما سألوا عنه، فعلى سبيل المثال لا الحصر، أرشد الرسول أعرابيا لكيفية الوضوء بقوله له صلى الله عليه وسلم: «تَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ» (سنن أبي داوود)، والآية المُشار إليها، قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (سورة المائدة)؛ ومن هذا الحديث يُستنبط أن المضمضة والاستنثار والاستنشاق ليسوا بواجب في الوضوء. 

وذكر القرطبي تحت باب “كيفية التعلم والفقه لكتاب الله تعالى وسنة نبيه”: [أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يُقْرِئُهُمُ الْعَشْرَ فَلَا يُجَاوِزُونَهَا إِلَى عَشْرٍ أُخْرَى حَتَّى يَتَعَلَّمُوا مَا فِيهَا مِنَ الْعَمَلِ، فَيُعَلِّمُنَا الْقُرْآنَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا. .. وعن أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ: كُنَّا إِذَا تَعَلَّمْنَا عَشْرَ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ لَمْ نَتَعَلَّمِ الْعَشْرَ الَّتِي بَعْدَهَا حَتَّى نَعْرِفَ حَلَالَهَا وَحَرَامَهَا وَأَمْرَهَا وَنَهْيَهَا].

فالقرآن نزل للعمل به، وليس لحفظه في الصدور دون العمل، ولا لتعداد كلماته وترقيم موضع كل حرف وكلمة وحفظ رقم الصفحة التي توجد فيها آية كذا وكذا، فهذا كله من البدع التي تلهي المسلمين عن الغاية من القرآن، وهي الإيمان به، وذلك بفهم أحكامه والعمل بها، والعمل على إقامتها.

اليوم أصبح المسلمون يتباهون بحفظ القرآن، وحفظ أرقام ألفاظه وأحرفه، ويقيمون مسابقات للحفظ، ويتفاخرون في قدرتهم على حفظه في وقت قصير، لكن تركوا الأهم والواجب وهو العمل به.

أما الصحابة رضي الله عنهم، فكانوا يعتنون بتعلم القرآن وفهمه قصد العمل به، أكثر من حفظ ألفاظه، ناهيك عن معرفة أرقام مواضعها (أي الألفاظ) التي لم تخطر ببالهم أصلا. أنقل مما ذكر القرطبي تحت باب “كيفية التعلم والفقه لكتاب الله تعالى وسنة نبيه”: [قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: إِنَّا صَعُبَ عَلَيْنَا حِفْظُ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ، وَسَهُلَ عَلَيْنَا الْعَمَلُ بِهِ، وَإِنَّ مَنْ بَعْدَنَا يَسْهُلُ عَلَيْهِمْ حِفْظُ الْقُرْآنِ، وَيَصْعُبُ عَلَيْهِمُ الْعَمَلُ بِهِ.  .. وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ الْفَاضِلُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ فِي صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَا يَحْفَظُ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا السُّورَةَ أَوْ نَحْوَهَا، وَرُزِقُوا الْعَمَلَ بِالْقُرْآنِ؛ وَإِنَّ آخِرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ مِنْهُمُ الصَّبِيُّ وَالْأَعْمَى وَلَا يُرْزَقُونَ الْعَمَلَ بِهِ. …  .. وعَبْد اللَّهِ بْنَ عُمَرَ مَكَثَ عَلَى سُورَةِ الْبَقَرَةِ ثَمَانِي سِنِينَ يَتَعَلَّمُهَا (في رواية أخرى، أنه مكث أربع سنين في تعلُّم سورة البقرة)]. .. (انتهى الاقتباس).

وفي شرحه عن موطأ الإمام مالك، علّق الزرقاني على قصة مكوث عبد الله بن عمر بضع سنين على سورة البقرة بقوله: [ليس ذلك لبطءٍ معاذ الله، بل لأنه كان يتعلم فرائضها وأحكامها وما يتعلق بها، فقد رُوي عن النبي كراهة الإسراع في حفظ القرآن دون التفقه فيه] (انتهى الاقتباس).

ومن بين حِكَم تنزيل القرآن منَجَّما {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} (الاسراء)، هو أخذ ما يكفي من الوقت لتدارس الآيات وفهمها، وربطها بواقع محسوس نزلت عليه الآيات، وتطبيقها عليه، قبل الانتقال لغيرها من الآيات، فالعلم كما هو متفق عليه بين العلماء لا يؤخذ جملة واحدة.

فقد قال السعدي في تفسيره لـ {لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ}: [أي: على مهل، ليتدبروه ويتفكروا في معانيه، ويستخرجوا علومه. {وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} أي: شيئًا فشيئًا، مفرقًا في ثلاث وعشرين سنة].

وقال الطاهر بن عاشور في تفسير التحرير والتنوير: [وَمَعْنَى ” فَرَقْنَاهُ ” جَعَلْنَاهُ فَرْقًا، أَيْ أَنْزَلْنَاهُ مُنَجَّمًا مُفَرَّقًا غَيْرَ مُجْتَمِعٍ صَبْرَةً وَاحِدَةً. … وَقَدْ عُلِّلَ بِقَوْلِهِ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ، فَهُمَا عِلَّتَانِ: أَنْ يُقْرَأَ عَلَى النَّاسِ، وَتِلْكَ عِلَّةٌ لِجَعْلِهِ قُرْآنًا، وَأَنْ يُقْرَأَ عَلَى مُكْثٍ، أَيْ مَهَلٍ وَبُطْءٍ، وَهِيَ عِلَّةٌ لِتَفْرِيقِهِ. وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ أَلْفَاظُهُ وَمَعَانِيهِ أَثْبَتَ فِي نُفُوسِ السَّامِعِينَ].

هل دولة إسرائيل اليوم في فلسطين هي المقصودة بالوعد الثاني في سورة الإسراء؟

المنجمون أصحاب ما يسمى “الإعجاز العددي” في القرآن، استعانوا بـ “حساب الجُمَّل” الذي طبقوه على آيات من سورة الإسراء للتنبؤ بتاريخ زوال دولة إسرائيل الحالية، حيث استخلص أحدهم، وهو بسام نهاد إبراهيم جرار، أن إسرائيل ستزول سنة 1443هـ (2022م)، وأقتبس من كتابه: [إذا قمنا بإحصاء الكلمات من بداية الكلام عن النبوة – وآتينا موسى الكتـاب – (الآية الثانية من سورة الإسراء) إلى آخر كلام في النبوءة – فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا – (الآية 104 من سورة الإسراء) فسوف نجد أن عدد الكلمات هو 1443 كلمة ، وهو رقم يطابق الرقم الذي خلصنا إليـه في البنـد رقم1 أي: 1376هـ + 76= 1443هـ] (كتاب: “زوال إسرائيل ٢٠٢٢م نبوءة أم صدف رقمية”).

إلى جانب ما سبق تبيانه من بطلان “النُّظم العددي” كأداة أصلا لاستنباط أحكام وأخبار من القرآن؛ ثم تبيان أنه حتى إذا سُلِّمَ جدلا بهذه “النظم العددية”، فإن الحسابات لا تستقيم إلا بالتلاعب بالأعداد والأحرف، وانتقاء الآيات وأحرفها وعددها حسب ما يوافق مبتغى المنجم، ناهيك عن أن ذلك التنجيم بالأعداد لا يتحقق إلا نادرا، وإن تحقق فهو بسبب المصادفة المحضة، المصادفة التي يُفتن بها البسطاء السذج، .. أقول الى جانب ما سبق ذكره، فإن آيات سورة الإسراء التي استند المنجمون إليها في حساباتهم، قد تكون لا تتحدث أصلا عن دولة إسرائيل الحالية التي تأسست على أرض فلسطين سنة 1367هـ (1948م).

فالله أخبرنا في سورة الإسراء عن هلاك ممالك أو دول بني إسرائيل مرتين، لكن دون أن يحدد لنا زمنا ولا تاريخا لوقوع ذلك، ولا على يد من سيحدث هلاك ممالكهم: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا؛ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا؛ ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا؛ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا؛ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا}.

ولما لم يحدد لنا الله تاريخ وزمن هلاك بني إسرائيل والقضاء على دولهم، فلا يمكننا البتة معرفة العصر أو التاريخ الذي يقع أو وقع فيه ذلك ولا على يد من، ومن ثم اختلف العلماء بخصوص تاريخ الوعد الأول، أي الهلاك الأول لبني إسرائيل. وسيبقى الخلاف قائم بخصوص الوعد الثاني أيضا، ولا يمكن الجزم أنه ينطبق على دولة إسرائيل الحالية. ولذلك تجد بعض المفسرين يرجحون أن الوعدين الاثنين، الأول والثاني، بهلاك دول بني إسرائيل، المذكوران في سورة الإسراء قد وقعا في الماضي، ويقولون أن الوعد الثاني (الآخر) تحقق بقضاء الرسول على الكيانات اليهودية في الجزيرة العربية بعدما غدروا بالمسلمين ونقضوا العهود. وهذا تفسير مقبول أيضا،

ثم إن الآية لم تحصر هلاك بني إسرائيل في مرتين فحسب، وإنما تحدثت فقط عن مرحلتين من العلو الكبير لبني إسرائيل في الأرض. ومن ثم يمكن أن يكون لبني إسرائيل مرات عدة من العلو في الأرض – ربما دون العلو الكبير – وليس مرتين فحسب، ويمكن أن يلحق ببني إسرائيل الهلاك والدمار أكثر من المرتين المذكورتين في القرآن، فآيات سورة الإسراء التي تحدثت عن هلاك بني إسرائيل مرتين، انتهت بقوله سبحانه: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا}. فالآية ربطت هلاك بني إسرائيل بفُشُوِّ فسادهم، فكلما أصبح لبني إسرائيل شوكة في الأرض واستغلوا قوتهم للإفساد في الأرض، وجب عليهم الهلاك، ومن ثم يمكن أن يعلو بني إسرائيل ويفشو فسادهم في الأرض أكثر من مرتين، ويلحق بهم على إثر ذلك الهلاك على يد أقوام مختلفة أكثر من مرتين. وهذه سُنَّة الله في كل الأمم وليست في بني إسرائيل فحسب، فقد قال الله سبحانه: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} (سورة الإسراء).

ومن ثم تكون النبوءات المتعلقة بتاريخ زوال إسرائيل درب من الخيال، لأن “الإعجاز العددي” و”النُّظم العددي” لا أساس لهما أصلا في الإسلام، ولأن وعد الله بتدمير ممالك بني إسرائيل المذكور في سورة الإسراء قد لا يكون يقصد دولة إسرائيل الحالية أصلا، هذا ناهيك عن التلاعب بالأعداد خلال العمليات الحسابية لـ”حساب الجُمَّل”.

وهذا لا يعني أن إسرائيل الحالية لن تزول، بل ينطبق عليها من ناحية ما ينطبق على غيرها من الأمم من سنن الله في الدول {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} (سورة الإسراء)، {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} (سورة القصص)، {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ} (سورة الأنبياء)، {فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} (سورة الحج).

ومن ناحية أخرى، زوال الظلم ودوله يحتاج لأخذ أصحاب الحق والمظلومين بالأسباب لإزالة الظلم ومنبعه (منبعه هو السلطان الذي يحمي الظلم ويمارسه ويجعله مُمَنْهجا شائعا).

للبحث بقية في الجزء الثالث والأخير.



 

جميع الآراء الواردة بهذا المقال تعبر فقط عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

Print Friendly, PDF & Email

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !
اظهر المزيد

د. هشام البواب

الدكتور هشام البواب، ناقد ومحلل سياسي واجتماعي مستقل . مقالاته تشمل موضوعات سياسية واجتماعية وفقهية وعلوم تجريبية :::::: بعض كتابات الدكتور هشام البواب في الرابط التالي: https://atanwir.com/منشورات-الدكتور-هشام-البواب ::::::: hicbou1@mailfence.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Enter Captcha Here : *

Reload Image

زر الذهاب إلى الأعلى