من زوال إسرائيل عام 2022 الى تمددها ابتداء من 2020، الجزء الثالث

كيفية التعامل مع الأخبار الغيبية المستقبلية
لا شك أن الله ورسوله أخبرانا بأخبار غيبية من العصور الماضية ومن المستقبل، لكن ليس على شكل ألغاز رقمية وشفرات مبطنة، بل بألفاظ عربية.
إلا أن هناك قواعد أساسية يجب أخذها بعين الاعتبار في التعامل مع الأخبار الغيبية:
أولا، يجب التأكد من صحة الخبر الغيبي، فقد يكون الخبر حديثا ضعيفا أو موضوعا؛ فمثلا غالب الأحاديث المتعلقة بفتح القسطنطينية، كرواية «لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ، فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا، وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ»، ضعيفة، ولا يصح منها إلا أحاديث عن فتح القسطنطينية في آخر الزمان قبيل ظهور المسيح الدجال، لم يرد فيها شيء عن تزكية جيش سيفتحها ولا تزكية أمير ذلك الجيش. وقد يكون الخبر الغيبي عبارة عن أحاديث أو آيات ظنية الدلالة لا يمكن الجزم بالمعنى المقصود منها، كالآيات المتعلقة بهلاك بني إسرائيل في سورة الإسراء، فلا يمكننا الجزم هل ينطبق “وَعْدُ الْآخِرَةِ” في السورة على دولة إسرائيل الحالية، ناهيك عن تحديد زمن وقوع ذلك.
ثانيا، الأخبار الغيبية لا تُبنى عليها أحكاما ولا قرارات ولا سياسات. حياة المسلمين واهتماماتهم وأهدافهم لا يجوز أن تتمحور حول رؤى وبشارات مستقبلية، بل يجب أن تتمحور حول أداء ما خُلقوا من أجله، معرفة ما أمرهم به الله والعمل به، فأهداف المسلمين كأفراد ومجتمع وأمة تحددها أوامر الله ونواهيه وليست البشارات. وتحرير فلسطين واجب يدفع إليه حكم شرعي وليست بشارة. أما الأخبار الغيبية المتعلقة بالبشارات فدورها “معنوي” فقط، هي من باب التبشير بالخير للرفع من الهمة وتثبيت الفؤاد وجبر الخواطر وإبقاء الأمل والتفاؤل في النفوس، كما هو الحال مثلا في بعض الحِكَم من قصص الأنبياء التي ذكرها الله في القرآن: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} (سورة هود). وكتثبيت الله فؤاد المؤمنين عند القتال {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ، وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (آل عمران)، فإمداد الله المؤمنين بالملائكة لم يكن إلا ليستبشروا به وتطمئن قلوبهم، أما النصر فهو من عند الله، يهبه لمن أخذ بالسنن الكونية.
وكذلك في غزوة الخندق، حين حوصر المسلمون في المدينة وتكالبت عليهم جيوش الكفار، ووصلت القلوب الحناجر، وكانوا بالكاد يحاولون صد عشرة آلاف جندي من جيوش الكفار عن اقتحام المدينة واستباحتها، بشر الرسول المؤمنين بفتح بلاد العراق والشام واليمن، ليبعث في أنفسهم الأمل والتفاؤل، حيث أراه الله وهو يضرب بالمعول صخرةً رؤيا خير مستقبلية، فكَبَّر وقال صلى الله عليه وسلم: «أُعْطِيتُ مَفاتيحَ الشامِ، واللهِ إني لَأُبْصِرُ قصورَها الحُمْرَ الساعةَ»، ثم ضرب الثانيةَ فقطع الثلُثَ الآخَرَ من الصخرة فقال: «اللهُ أكبرُ، أُعْطِيتُ مفاتيحَ فارسٍ، واللهِ إني لَأُبْصِرُ قصرَ المدائنِ أبيضَ»، ثم ضرب الثالثةَ فقال: «اللهُ أكبرُ أُعْطِيتُ مَفاتيحَ اليَمَنِ، واللهِ إني لَأُبْصِرُ أبوابَ صنعاءَ من مكاني هذا الساعةَ» (فتح الباري لابن حجر العسقلاني).
ولما شق على المسلمين اضطهاد قريش لهم في مكة، شكا بعضهم للرسول حالهم وطلبوا منه أن يدعوا الله لينصرهم، فقال لهم الرسول يبشرهم بالفرج بعد الصبر: «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ؛ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ. وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» (صحيح البخاري).
ثالثا، لا يجوز للبشارات المستقبلية أن تثبط المسلمين عن العمل والكد وعن الأخذ بالأسباب، وتجعلهم ينتظرون حدثا خارقا وقدرا قاهرا يحقق لهم النصر ويغير حالهم الى الأحسن، دون أن يقوموا هم بأي أعمال. فالمبشرات المستقبلية لا يجوز أن تصبح أفيونا مخدرا، يُنَوِّم المسلمين ويجعلهم يعيشون خارج مجرى التاريخ، لا يؤثرون في أحداثه ولا يعملون على تغيير مساره ومسار الأمم والبشرية. بل الغاية من البشارات المستقبلية هو رفع الهمة وتقوية العزيمة، والدفع نحو العمل لتحقيق البشارة. فالبشارة لا تتحقق فقط لأن الله أخبرنا بأنها ستقع، ولا لأن بعض المسلمين وضعوا لها تاريخا محددا لوقوعها، ولكنها لا تتحقق إلا بأيدي المؤمنين العاملين، تتحقق على يد من أخذوا بالأسباب لتحقيقها. ولعل هذه هي الحكمة من عدم ربط الله البشارات – في الغالب – بزمن وتاريخ محدد. لأن البشارة لا تتحقق إلا إذا توافرت شروط تَحَقُّقِها فيمن ستُحَقَّق على أيديهم، فقد يتأخر حدوث البشارة أجيالا وعقودا وقورنا، حتى يخرج جيل يأخذ بالأسباب الإيمانية والعملية لتحقيق البشارة.
ففي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم: «لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلَّا الْبِرُّ» (مسند أحمد)، أي حتى عمر الإنسان يمكن أن يزيد أو ينقص حسب عمله؛ فكذلك تحقيق البشارات ليس مربوطا بتاريخ محدد، بل متعلق بعمل الانسان.
ولما قال الرسول في جنازةٍ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلَّا قَدْ كُتِبَ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً»؛ قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ العَمَلَ؟ فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ. رد عليه الرسول: «أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ الشَّقَاوَةِ»، ثُمَّ قَرَأَ صلى الله عليه وسلم الآية: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى؛ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (سورة الليل).
فالعمل والأخذ بالأسباب هو الذي يحدد مصير الانسان ومصير الأمم ويغيرها من حال الى حال، وعمل الإنسان وأخذه بالأسباب هو الذي يرفع الظلم ويقضي على قوى الطغيان.
البشارات وإن أُخْبِرْنا بأنها ستقع في المستقبل، إلا أنها لا تقع بدون سبب وبدون فعلٍ من الانسان وبدون أخذٍ بالأسباب.
الانشغال بالبشارة بدلا من الانشغال بأسباب تحققها جعل من زوال إسرائيل عام 2022م تمددها ابتداء من 2020م
لَمَّا فقد المسلمون رسالتهم ومبدأهم في الحياة، وترتب على ذلك انحطاطهم فكريا، ودب إلى نفوسهم (إلا القليل منهم) اليأس والعجز والتثبيط والكسل والتواكل، أصبحوا ينشغلون بالرؤى والبشارات ويختلقون النبوءات، دون العمل لتحقيق البشارات والآمال. فاختلاق تاريخٍ لوقوع بشارة، لا يجعل البشارة تتحقق فعلا، بل الذي يحققها هو العمل والكد والأخذ بالأسباب.
فالواجب على المسلم الانشغال بماهية الأسباب التي يجب عليه اتخاذها لتحقيق البشارة، ولتغيير حاله وحال أمته وحال البشرية، وليسود العدل والطمأنينة في العالم، ويزول الظلم والشقاء.
فعلى المسلم أن يعمل ويأخذ بالأسباب لعل البشارة تتحقق على يده، بدلا من أن يتأخر تحقيقها، فلا يحصل ذلك إلا على يد غيره من الأجيال اللاحقة. على المسلمين أن يسألوا أنفسهم، ما الذي يجب عليهم القيام به من أعمال، لعله يكون شرف وأجر تحقيق البشارة على أيديهم. أما أن يقعدوا عن العمل ويتحججوا بضعفهم، وينتظروا أن تتحقق البشارة بفعلٍ خارقٍ وقدرٍ قاهرٍ، فهذا درب من الخرافة والدجل والخيال والكذب على الذات، بل وهذا من الإثم العظيم، لأنهم تخلوا عن واجبات شرعية أمرهم الله بها، وستكون النتيجة أن يستبدلهم الله ويأتي بجيل جديد يعرف معنى الإيمان والعمل، ويكون الشرف والأجر والجزاء من نصيبه، قال الله سبحانه: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (سورة المائدة). يقول ابن كثير في تفسيره للآية: [يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ قُدْرَتِهِ الْعَظِيمَةِ أَنَّ مَنْ تَوَلَّى عَنْ نُصْرَةِ دِينِهِ وَإِقَامَةِ شَرِيعَتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَسْتَبْدِلُ بِهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ لَهَا مِنْهُ وَأَشَدُّ مَنْعَةً وَأَقْوَمُ سَبِيلًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (سورة مُحَمَّدٍ)، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ} (سورة النِّسَاءِ)، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} (سورة إِبْرَاهِيمَ)] (انتهى الاقتباس).
فبدلا من الانشغال بالبشارات وبتاريخ تحققها، على المسلمين الانشغال بما يجب عليهم فعله للخروج من حالة الاستضعاف، وتحقيق قوة إيمانية ومادية ووحدة وتآلف وتعاضد بينهم، يجعلهم يحرروا أنفسهم وعقولهم وبلادهم، ومن ثم يغيروا مجرى التاريخ، ويرفعوا الظلم الواقع عليهم وعلى البشرية جمعاء.
وقد وصلت الحماقة والتفاهة والسفاهة ببعض المسلمين، ليظنوا أن هيمنة أمريكا وإسرائيل على المسلمين ستزول لما تزول تقنيات التصنيع والاتصال والمواصلات الحديثة (التكنولوجيا) التي ترجح قوتهم المادية الهائلة ضد المسلمين. وادعائهم أن التقنيات الحديثة ستزول فجأة بحدث طبيعي خارق.
فبدلا من أن يبحثوا عن السبل والأسباب التي تمكنهم من الحيازة على التقنيات الحديثة في التصنيع والاتصالات والمواصلات وتطويرها، ليصبحوا قادرين على مواجهة دول الغرب وإسرائيل وطردهم من بلاد المسلمين، يتمنون زوال التقنيات الحديثة نفسها! هذا تهريج، هذه قمة الحماقة والسفاهة.
قول هؤلاء يضاهي قول بني إسرائيل الذين دخلهم اليأس وتملكهم العجز والخوف، وظنوا أنه لا طاقة لهم ولا قدرة على محاربة الجبابرة وطردهم من الأرض المقدسة. وكما قال حمقى المسلمين اليوم بأنهم لن ينتصروا على إسرائيل ودول الغرب المحتلة لبلدانهم إلا بعدما تزول وتُدمر التقنيات الحديثة، كذلك قال بنو إسرائيل أنهم لن يدخلوا الأرض المقدسة حتى يخرج منها – طواعية – القوم الجبارين المحتلين لها: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ، قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ، قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ، قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ، قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (سورة المائدة). وكما عاقب الله بني إسرائيل بالتيه أربعين سنة لجبنهم وتخلفهم عن نبيهم، كذلك دخل المسلمون في تيه في الدنيا، تيه على كل المستويات، بسبب جبنهم وتخلفهم عن أوامر الله ورسوله. تيه المسلمين متمثل في تشردهم وتشتتهم في مختلف دول العالم، وتلاعب كل قوى الشر بهم واستخدامها لهم، ومتمثل في اضطهادهم وانتهاك حرماتهم (وما جرأة فرنسا على المسلمين واضطهادها الممنهج لهم عنا ببعيد)، ناهيك عن تيههم العقائدي والفكري والمشاعري واللغوي، الخ.
وحماقة هؤلاء جعلتهم – بعيدا عن كل الحقائق على الأرض – يتوقعون زوال إسرائيل سنه 1443هـ/2022م. إلا أن إسرائيل بدأت تتوسع منذ 1442هـ/2020م، فها هي تُوَسِّع نفوذها ليشمل كلا من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان والسعودية، ناهيك عن نفوذها السابق في تركيا والأردن ومصر. وستتمدد إسرائيل في السنوات القليلة القادمة في كل البلدان العربية دون استثناء. فالذي سنراه سنة 1443هـ/2022م ليس زوال إسرائيل، بل مزيد من تمددها، فدولة إسرائيل على خطى ثابتة لتحقيق حلمها الذي دأبت تعمل عليه بجد منذ أكثر من خمسين سنة، وهو إنشاء “إسرائيل الكبرى” والتي تضم كلا من فلسطين (كل الأراضي الفلسطينية) والأردن وسوريا ولبنان والعراق، وكذلك الكويت والسعودية والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان واليمن وجزءا من تركيا والأرض الواقعة شرق نهر النيل، وما الحروب المفتعلة في العراق والشام واليمن، إلا تمهيد لذلك.
فمن الحماقة الادعاء أن إسرائيل ستزول سنة 1443هـ/2022م، وليست هناك دولة مبدئية للمسلمين تعمل على إزالتها، بل العكس من ذلك، كل الدويلات والحكام في العالم الإسلامي سند لإسرائيل وحُرَّاسها وخُدَّامها، ومستعدون لتصبح دويلاتهم ولايات تابعة لإسرائيل.
فمن الحماقة التحدث عن زوال إسرائيل، قبل زوال دويلات سايكس بيكو في العالم الإسلامي. فقبل الحديث عن إمكانية تحرير فلسطين، يجب أولا قلع دويلات سايكس بيكو في العالم الإسلامي وتحرير الشعوب المسلمة من أنظمتها التافهة القمعية العدوة للمسلمين والإسلام، وإنشاء دولة مبدئية تؤمن بالإسلام كشريعة حياة وتتحاكم إليه حصريا، وتقيم العدل على أساسه، وتعمل على تطوير قوة مادية تأهلها لخوض حروب تحريرية مصيرية.
فالذي سيزيل حالة الاستضعاف التي يعيشها المسلمون ويمكنهم من قوة مادية وتقنيات حديثة في الصناعة والمواصلات والاتصالات، ومن ثم تمكنهم من تحرير ليس فلسطين فحسب، بل أولا تحرير بلاد المسلمين من الحكام الرويبضة ودويلاتهم الخائنة العميلة والخادمة للغرب وإسرائيل والحامية لمصالحهم، .. الذي سيحقق ذلك هو إقامة دولة مبدئية تؤمن بالإسلام كاملا وتقيمه فعلا في المجتمع والدولة، لها إرادة حقيقة للتحرر، ولها استقلالية تامة في سياساتها الداخلية والخارجية، لا تخضع لإملاءات أي دولة في العالم، ولا تستحي أو تخاف من إقامة الإسلام والدعوة إليه، وتنتج بنفسها سلاحها ودواءها وغدائها ومؤونتها، وتتعامل مع دول العالم على أساس الندية والولاء للمسلمين والبراء من المحاربين لهم.
أيها الكاتب. أنت تخلط أمورا كثيرة. الانظمة الجبرية في واد و الشعوب في واد آخر. الانظمة الجبرية هي التي تحمي فعليا المحتل. الذين قاموا بتعداد الحروف المتعلقة باليهود في القرآن قالوا أنهم وجدوا رقم ٢٠٢٢ يتكرر كثيرا. و هذه ليست نبوؤة، هذه دراسة. دراسة اعتمدت على القرآن. و أنت في تحليلك على ماذا اعتمدت؟ أنت لست في المستوى تتكلم كعامة الناس.