رياضة صحة تغذية

التأثير الكارثي لرياضة “كمال الاجسام” على الصحة والمجتمع

هناك رواية عبقرية للأديب يحيى حقي، تسمى “قنديل أم هاشم”، تتكلم عن زراعة الوهم وتقديسة ورفض البعض الخوض فيه، وذلك بسبب موروث مجتمعي خاطئ.

قد يكون سهلا على أي احد أن يقوم بجمع الحقائق ومناقشتها مع الناس، ولكن حين يصل إلي مرحلة الاستنتاج معتمداً على تلك الحقائق المشتركة، سيكون ذلك صعبا جدا.

النهاية في رواية “يحيى حقي” كانت صادمة للغاية، وهي أن البطل لم يستطع مواجهة الناس بالحقيقة وقام بخداعهم من أجل مصلحتهم. رغم عبقريتها في المدلول الأدبي، فإن هذا النوع من الخداع لا يصلح في التطبيق العملي، فإن قمت بخداع المجتمع لأجل مصلحته المؤقته، فذلك لن يصلح للأبد، فأنت لك عمراً محدودًا، فسوف تموت مصلحتهم في النهاية مع موتك.

يجب علينا التحلي بالأمانة العلمية في توضيح الحقيقة لأن الحقيقة هي التي ستبقى ونحن سوف نموت!

لماذا هذه المقدمة؟ لأنني سأقوم ببساطة بتدمير أحد الصور النمطية لدى الكثيرين، ولكني سأقوم بذلك من أجل استعراض حقيقة موضوعية لا يريد الكثير مناقشتها، سأقوم بعرض المعطيات المتوفرة وستقوم انت سيدي الفاضل بالاستنتاج.

ماذا لو كان هنالك مسابقة للسيدة الأكثر أنوثة، تُعرض فيها نساء شبه عاريات، وتقوم لجنة تحكيم بتقييمهم، وتكون المسابقة تشمل كل انواع عمليات التجميل؟ ألا يكون ذلك ازدراء بالمرأة! أضف إلى كل ذلك أن هنالك عمليات تجميل تكون ذات اثار جانبيه ضخمة على حياتها. أين الإنسانية في ذلك؟

أليس من المقزز مشاهدة شخص يقوم بإيذاء نفسه من أجل أن يحصل على إعجاب الناس والاستمتاع بذلك. فهذا هو الحال في رياضة “كمال الاجسام”!

مهلا، قبل أن تغضب مما اقول، راجع معي المعطيات التي تناولناها فيما سبق:

أليست رياضة “كمال الاجسام” رياضة استعراضية قائمة على اشخاص يقومون باستعراض عضالاتهم الضخمة، وتقييم لجنة تحكيمية لهم، اليست تلك الرياضة الاستعراضية يتناول غالبية ممارسيها المنشطات والبعض يخضع لعمليات جراحية من أجل صناعة الشكل المطلوب. أليس لكل هذا آثارا سلبية للغاية على صحة ممارسي رياضة “كمال الاجسام”. أليس معدل أعمار رواد تلك اللعبة قصير للغاية.

في بداية محاولتي كتابة هذه المقالة، نصحني صديق أن أوضح الجوانب التاريخية لهذه “الرياضة”، ولكني بعد قراءة عميقة وجدت أنني لا تكفيني مقالة لتوضيح مدى بشاعة المسار التاريخي لهذة الرياضة، ويكفي أن أوضح أن تلك الرياضة الاستعراضية لم تكن يوما معبرة عن احترام الإنسانية بشكل عام.

انني احارب تلك الرياضة ليس فقط رأفةً بأبطالها، كونهم يقومون بتدمير جسمني ونفسي بالغ، من أجل تحقيق ربح – مهما كان ضخما فهو لا يساوي ذلك الضرر أبداً -، لكن ذلك ليس مشكلتي الوحيدة، مشكلتي في مبدأ أؤمن به، اسمه “تأثير الحدث”، ذلك التأثير الذي يتركه الحدث.

فما التأثير على المجتمع الذي يحدث نتيجة للتقدير المبالغ فيه لـ “بطل العالم” في هذه “الرياضة” الاستعراضية؟ إنه خلقُ تصورٍ خاطئٍ بأن الجسم بذلك المنظر وتلك العضلات المفتولة والمبالغ في حجمها، هي الصورة المثالية، ومن ثم يحاول كثير من الشباب والرجال أن يقوموا باستنساخها. فإن كان الرياضي المحترف الناجح يعاني من ممارسة تلك الرياضة ولكن يتم تعويضه ماديا، فالهاوي يعاني من الآثار الجانبية السلبية المحتملة لتلك الرياضة دون تعويض مادي.

فنحن نخلق مجتمعا من الهواة يعاني من ممارسة رياضة “كمال الاجسام”، لمجرد أن الأبطال العالميين في هذه الرياضة يتم عرضهم كنموذج يحتذى به.

وهناك تأثير آخر لرياضة “كمال الاجسام” على المجتمع، إذ سيوطد النظرة النمطية بأن النموذج الذكوري يتمثل في تلك الصورة المفتولة العضلات، وذلك في نظري كارثي مهما افترضنا العكس، لأنها (أي النظرة النمطية) تقوم على مبدأ تقيم الفرد كقوة بدنية وآلة إنتاج، وذلك مهين بالدرجة الأولى للذكور بشكل كبير. ولكن ذلك لا يستطيع الجميع تميزه، فالدَهْمَاوِيّة أو الغَوْغَائِيّة وسياسة تملق العامة تخدع البعض وتقوم بإهانة الجميع على صورة مديح مصطنع.

ماذا لو قمت بالقول “أن الذكور افضل من الأناث، فهم (أي الذكور) لا يتعبون ابدا من العمل”، فبصورة تلقائية سيعجب الذكور بهذا الكلام. ولكن ما هي نتيجة هذا الكلام؟ إنه استغلال الذكور في عمالة استنزافية، وإن أراد شخص رفض ذلك، سيتم نعته أنه ليس “ذكرًا” بالكفاية.

في النهاية انا لست عدوا لأحد أو لأي شئ ولكني أحب وضع الأمور في مكانها الصحيح.



 

جميع الآراء الواردة بهذا المقال تعبر فقط عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

Print Friendly, PDF & Email
اظهر المزيد

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى