صناعة الأبطال الرياضيين: النجاح الوهمي

هم ليسوا أبطالا ونحن لسنا فشلة! لشرح هذه المقولة احتاج الى قصة توضيحيه.
كنت اتكلم مع صديق لي عن لعبته المفضلة، فأخبرني أن مثله الأعلى هو شخص ما قد حطم ارقاما قياسيه لتلك اللعبة. لم ابدي اي اهتمام لكلامه طوال الوقت، فكان ذلك مصدر إزعاج له، فقال: أنا أتحدث عن أشخاص ملهمون وانت لا تهتم، أنا أتحدث عن شخص ناجحٍ اسطوريٍّ. فقلت له: أنه ليس ناجحا أو اسطوريا، هو مجرد شخص موجود بالضرورة. قال: ما معنى ما تقول؟
قلت له: أن البطل الذي تتحدث عنه أمر مطلوب بالضرورة ما دام هناك المئات أو الألاف يمارسون نشاطا ما أو يقومون برياضة ما، فسيكون هناك شخصا بينهم صاحب رقم او معدل أكثر منهم، فهذه مسألة حتمية، ولا يستحق الأمر كل هذا الصخب، ثم إن الأمر متعلق بمفهوم السوق الحر.
قال صاحبي في تعجب: سوق حر؟ أنا أتحدث عن لعبة او عن رياضة!
فقلت له في هدوء: دعني أوضح لك المسألة، كل ما في الأمر أن احترام السلوك الإنساني بشكل موضوعي شيئ مكلف ماديا ومعنويا للمجتمع. تخيل معي الصورة بشكل إنتاجي: لو كان هنالك مصنع به أربعون عاملا يقومون بدورهم الإنتاجي، فمن الطبيعي أن يكون هنالك عامل أكثر إنتاجية، صحيح؟ فرد صاحبي بعصبية: بالتأكيد نعم، وانت لا تريد ان تقول عنه بطلا. فقلت في هدوء مفتعل: صبرا، المسألة هنا وبكل واقعية، هل وجود عامل مميز يجوز أن يقلل من حق باقي العمال الذين يقومون بدورهم؟ لا، لا يجوز، ولكن ما يحدث في عالم “الأبطال” عكس ذلك، ما يحدث أن هذا العامل يصبح وقتها حديث الجميع، وتقوم المؤسسة بمكافئته بسخاء، بينما باقي العمال لا يأخذون حقوقا مادية ومعنوية متناسبة مع مكافئة هذا العامل المميز.
فقال صاحبي: ما المشكلة؟ فقلتُ: المشكلة تكمن في نظرية الخداع بمبدأ المساواة، سيقوم هذا العامل المميز شكليا بتدمير القيمة الإنتاجية لكل ما يقوم به باقي العمال، بينما هم يقومون بدورهم لكنه يكون الاستثناء.
الفكرة ماديا، أنه غير مكلف نهائيا مكافأة شخص واحد ومعاقبة الباقي؛ ومعنويا سيكون من الصعب توزيع مسؤولية النجاح. بمعنى آخر، إن كان العمال يقومون بعمل إنتاجي يستحق عشر دولارات، ويأخذ كل واحد منهم دولار واحداً فقط، بينما العامل المميز ينال مائة دولارًا، فلن ينظر أحد – من العمال – إلى أنه لا يأخذ حقه، بل سيبدأ باللوم على نفسه معتقدا أنه لم يقم بالمطلوب ليكون العامل المميز، ولينال المائة دولارًا.
نظر إلي صاحبي متعجبا: وما علاقة كل هذا بالرياضة أو اللعبة التي احدثك عنها؟ قلتُ: مبدأ صناعة البطل هو مبدأ يصنعه الإعلام الرياضي والاعلام عموما والمجتمع يتلقاه بلا معنى. ما قيمة البطل في النهاية؟ أليس البطل والخاسر جزء من المنظومة، وإن كان البطل قام بتجميع نقاط أو معدل أكبر، فذلك لا يقلل من المجهود الذي قام به الخاسر، ولكن مكافأة البطل المصطنع بشكل ضخم مهما كان سخيا ومبالغاً فيه لن يكون قريبا حتى من مكافأة الجميع بعدل على محاولتهم من حيث التكلفة المادية والمعنوية، بمعنى آخر تكلفة مكافأة البطل المصطنع أقل بكثير من تكلفة المكافأة العادلة لبقية الغالبية من غير “الأبطال”.
ففي النهاية مبدأ صناعة البطل يدفع الناس للشعور بالنقص، ويعطي انطباعا وهميا انك إن اجتهدت قد تصل. ولكن ذلك إن كان حقيقياً شكليا، فلا يعني أن الأغلبية الساحقة من الناس لا تجتهد او تنال التقدير المطلوب نسبة لما تقوم به.
إنك في النهاية حينما تفكر بعقلانية وبثبات، أليس بالضرورة سيكون هنالك بطلا لكل رياضة كل عام وكل فترة؟ إذًا ما الجديد؟ نظر إلي صديقي بتعجب وقال: انت اذن لا تؤمن بالفروق الفردية. قلت في يأس: بالطبع لا، انا أؤمن بالفروق الفردية ولذلك قلت ما قلته، ذلك لأني أؤمن اننا يجب أن نقوم بتوزيع التقدير المادي والمعنوي للجميع بمراعاة الفروق وليس بمبدأ صناعة البطل، فذلك المبدأ (أي صناعة البطل) يصنع الفشل، يقوم بالتقليل من الانجازات الفردية للغالبية الساحقة من الناس، ويقوم بتكريم القليل بشكل مجحف.
وفي النهاية ما أقوله هو دعوة لتغير ذلك المفهوم الخاطئ بعقلك. انجح رياضي واغنى رجل وأجمل صوت، شخصيات موجودة بالضرورة، لكن ذلك لا يجوز أن يغير في النهاية أنك شخص ناجح وتستحق أن تقوم بتقدير نفسك ماديا ومعنويا.