سياسة

رد على ابن سلمان (ج2): محمد بن سلمان كبير المتطرفين يدعوا لقتل من يعارضه ويخالفه الفكر والرأي

قال محمد بن سلمان في الحوار الذي بثه التلفزيون السعودي يوم 15 رمضان 1442هـ (27 أبريل 2021م)، بأن [التطرف في كل شيء غير جائز، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم تكلم في أحد أحاديثه بأنه في يوم من الأيام سيخرج من يتطرف، فإذا خرجوا اقتلوهم!] (انتهى الاقتباس).

اقرأ أيضا: «“هيئة كبار العلماء” بوق للكفر البواح»

 

 

الرسول لم يذكر قط “المتطرفين” ولا أمر بقتلهم، ولكنه تحدث عن المارقين عن الدين وبيَّن متى يجب قتالهم

أولا كذب محمد بن سلمان، فليس هناك أي حديث للرسول ذكر فيه “المتطرفين”، ناهيك عن أمره صلى الله عليه وسلم بقتلهم!

أما الأحاديث الواردة عن الرسول، فتتحدث عن المارقين عن الدين وليس “المتطرفين”، فقد قال عَلِي بن أبي طالب، سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّة، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (صحيح البخاري). والمارقون عن الدين هم الخارجون عنه، يُؤَوِّلون القرآن ويحرفون الإسلام حسب هواهم، فقد قال الرسول في حديث آخر في وصفه لهؤلاء المارقين: «إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُقَاتِلُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى تَنْزِيلِهِ» (اخرجه الترمذي والنسائي وابو داود وغيرهم وصححه الألباني والأرناؤوط)، أي يقول صلى الله عليه وسلم للصحابة أنه سيأتي زمن – بعد وفاته – سيقاتلون على من يحرف القرآن، كما قاتل هو على من كفر بالقرآن أصلا وحارب الرسول والمسلمين.

إلا أن قتال هؤلاء المارقين عن الدين له أحكامه وشروطه، فلا يجوز فَهْمُ حديث «فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أنه بمجرد انحرافهم الفكري وتأويلهم الباطل للقرآن تصبح دمائهم مستباحة، فمن يظن ذلك فهو نفسه من المارقين والغلاة والمتطرفين.

فأحكام الإسلام كما هو معلوم لدى أهل العلم تُستنبط بجمع كل النصوص من القرآن والسُّنة المتعلقة بموضوع البحث، وربط بعضها ببعض لتكتمل صورة الحكم الشرعي ويُعرف مناط حكمه.

فَحديث الرسول عن المارقين عن الدين «فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» يُفهم مناط حكمه بالرجوع لأحاديث أخرى للرسول، أذكر منها قوله صلى الله عليه وسلم عن رجلٍ اعترض على كيفية تقسيمه لكمية من الذهب، حيث قال الرجل: اتَّقِ اللهَ يا محمد! فقال له رسول الله: «وَيْلَكَ أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ»، فلما قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ منعه الرسول وقال: «لَا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي»،فَقَالَ خَالِدٌ: وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ. فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ»، ثم قال الرسول عن الرجل الذي احتج على قسمته بعدما انصرف هذا الأخير: «إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ» (صحيح البخاري).

فالرسول قال «لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ»، في نفس المجلس الذي نهى فيه خالد بن الوليد عن قتل الرجل المارق، هذا يدل على أن قتل المارقين لا يجوز لمجرد ما يحملون من أفكارِ الغلو والانحراف وما يبدون من آراء وأقوال، وإنما قتالهم لا يجوز إلا إذا تحول المارقون عن الدين من الكلام والفكر والرأي إلى العمل الجماعي المسلح، فيحاولون فرض تأويلاتهم الباطلة للقرآن والسُّنة وتحريفهم للدين بقوة السلاح على المسلمين، فيقتلون الناس على ذلك. وهذا عين مناط حكم قتال المارقين عن الدين الذي فهمه خليفة المسلمين علي بن أبي طالب، إذ لما خرج عليه المارقون في خلافته (لُقِّبوا لاحقا باسم الخوارج)، لم يبادر رضي الله عنه بقتالهم، بل حاورهم وناقشهم في آرائهم بالحجة من القرآن والسنة، وقال لهم: “لَكُمْ عَلَيْنَا ثَلَاثٌ: لَا نَمْنَعُكُمْ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ تَذْكُرُوا فِيهَا اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا نَمْنَعُكُمْ الْفَيْءَ مَا دَامَتْ أَيْدِيكُمْ مَعَنَا، وَلَا نَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ” (المغني لابن قدامة)! فعلِيٌّ رضي الله لم يمنع الخوارج من المساجد، ولا من بيت المال، ولا أمر بسجنهم، ولا قتالهم، رغم الأفكار المارقة التي كانوا يحملونها ويدعون لها، لم يحاربهم رضي الله عنه، إلا لما تسلحوا وكوَّنوا جيشا وأعلنوا الحرب على الدولة.

أما محمد بن سلمان، الذي قال في حواره عن “رؤية 2030” بأن العقوبات لا تُقام إلا بنص قرآني قطعي الدلالة أو حديث متواتر قطعي الدلالة، وقال أنه يجب تأويل الآيات والأحاديث المتواترة حسب العصر والظروف، وأنه لا يجوز العمل بأحاديث الآحاد (للتذكير، العلماء كفَّروا من ينكر العمل بخبر الآحاد، كما أن تصنيف ابن سلمان لأنواع الأحاديث باطل وينم عن جهله بأبجديات علم الحديث)، فإنه (أي ابن سلمان) يريد قتل من سمَّاهم “المتطرفين” – حتى لو لم يكونوا إرهابيين ولم يحملوا السلاح – استنادا لحديثِ آحاد، مع أنه يَكْفر بأحاديث الآحاد، .. واستنادا لحديثٍ أَنْزَلَه في غير مناطه، أي أنزله على أشخاص لا ينطبق عليهم الحديث الذي ذكره، ولم يكترث للأحاديث والآيات الأخرى التي تحدد متى يجب قتال المارقين عن الدين.

ومن ثم، فقد ثبت بالحجة القطعية أن محمد بن سلمان من كِبار المتطرفين والغلاة، يدعوا لقتل الأبرياء الذين لم يسفكوا دماءً محرمة، يريد قتلهم لمجرد مخالفتهم له في الفكر والرأي ومحاسبتهم له، بل الأنكى من ذلك أنه يريد قتلهم لأنهم ينهون عن المنكر ويأمرون بالمعروف ويطالبون بالحكم بما أنزل الله. فتحريض محمد بن سلمان على قتل من سماهم “المتطرفين فكريا”، حتى لو لم يحملوا السلاح، يستوجب رفع قضية ضده في المحاكم ومقاضاته وسجنه! فهذا الصبي جاهل بالدين وأحكامه، مغرور بالسلطة التي بيده، يريد قتل كل من يعارضه ويخالفه ويحاسبه، يريد قتل كل من لا يطيعه طاعة عمياء.

من هم “المتطرفون في نظر محمد بن سلمان؟

“المتطرفون” في نظر محمد بن سلمان وكل حكام المسلمين بدون استثناء، هو كل من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدعوا لإقامة شرع الله في السياسة والاقتصاد والقضاء والحياة العامة، يدعوا لإقامة دولة تحكم بالإسلام كما فعل الرسول. المتطرفون هو كل من يدعوا للعفة ويهدف لتحرير بلاد المسلمين من هيمنة الغرب والتبعية له. فمحمد بن سلمان وحكام المسلمين قاطبة، كقوم لوط الذين تَوَعَّدُوا بعقابه إذا لم يتوقف عن أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، قال الله سبحانه: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُون، أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ، فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} (سورة النمل).

محمد بن سلمان هو كبير المتطرفين وتنطبق عليه أحاديث المارقين حُدَثَاء الْأَسْنَانِ سُفَهَاء الْأَحْلَامِ

فالتطرف نوعان، غلو أو تفريط، فقد ذكر ابن قيم الجوزية في كتابه إغاثة اللهفان: [ما أمر الله تعالى بأمرٍ إلَّا وللشَّيطان فيه نزعتان، إمَّا إلى تفريط وتقصير، وإمَّا إلى مجاوزةٍ وغلوٍّ، ولا يبالي بأيِّها ظَفَر. وقد اقتطع أكثر النَّاس – إلَّا القليل – في هذين الواديين: وادي التَّقصير، ووادي المجاوزة والتَّعدِّي. والقليل منهم الثَّابت على الصِّراط الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه] (انتهى الاقتباس).
الغلو والتفريط كلاهما نتاج لاتباع الهوى، كلاهما محرم ومذموم. وحكام المسلمين قاطبة – ومن بينهم محمد بن سلمان – غلاة ومُفَرِّطون على السواء، فرَّطوا في الدين، وغلَوْا في الخنوع لدول الكفر والانبطاح والتبعية لها وخدمة مصالحها على حساب مصالح المسلمين وخيراتهم وحريتهم وأعراضهم ودمائهم، وغلَوْا في فرض أحكام الكفر على المسلمين بالقوة وإرهاب الدولة، وغَلَوا في محاربة الإسلام والدعاة إليه.

فمحمد بن سلمان هو المتطرف، هو المارق عن الدين، هو الذي تنطبق عليه أحاديث الرسول عن المارقين وحُدَثَاء الْأَسْنَانِ سُفَهَاء الْأَحْلَامِ، إذ يحكم بغير ما أنزل الله، ويحارب الإسلام ودعاته، ويُؤَوِّل القرآن حسب هواه، وينكر وجوب العمل بالسنة النبوية (لأنه ينكر العمل بأحاديث الآحاد)، ويقتل المسلمين، ويعتقل الأبرياء، …

محمد بن سلمان هو المارق عن الدين، هو الخطر الحقيقي على المسلمين، إذ هو ليس منحرفا عن الإسلام فحسب، بل مارقٌ بجيوشٍ وأسلحةٍ وشرطةٍ ومخابرات، يفرض الكفر على المسلمين بالقوة والإرهاب، يعتقل من يشاء ومتى شاء، ويقتل من يشاء إذا استطاع الوصول إليهم، …

لم يحصل في تاريخ البشرية أن تجرأ طاغية ومجرم على استدراج مواطن الى سفارة أو قنصلية في بلد أجنبي ثم قتْلِه وتقطيع جثثه وإذابتها! قتله لمجرد انتقاده لحكام السعودية! فهل يبيح الإسلام أو حتى قوانين الغرب للدولة قتل إنسان لمجرد انتقاده للحكام ومحاسبته لهم؟ وأليس على العكس، أن الإسلام يفرض على الناس محاسبة الحكام وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وعزلهم عن الحكم إذا صدر منهم كفر بواح أو لم يتراجعوا عن مظالم اقترفوها؟

 

محمد بن سلمان قتل مسلمين وشردهم من ديارهم لينشئ مدينته الغلامية “نيوم”، فهل يبيح الإسلام أو حتى قوانين الغرب للدولة قتل إنسان والسطو على ممتلكاته؟ هذا هو الإرهاب بعينه، هذا عمل لا يقوم به إلا قُطاع الطرق!

 

فالذي يجب إلقاء القبض عليه وتقديمه للمحاكمة هو الإرهابي المتطرف محمد بن سلمان، ليُحاسَب على جرائمه التي لا تُحصى ويُوقَف شره عن المسلمين وفتنته لهم!



 

جميع الآراء الواردة بهذا المقال تعبر فقط عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

Print Friendly, PDF & Email
اظهر المزيد

د. هشام البواب

الدكتور هشام البواب، ناقد ومحلل سياسي واجتماعي مستقل . مقالاته تشمل موضوعات سياسية واجتماعية وفقهية وعلوم تجريبية :::::: بعض كتابات الدكتور هشام البواب في الرابط التالي: https://atanwir.com/منشورات-الدكتور-هشام-البواب ::::::: hicbou1@mailfence.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى