سياسة

ما هي الدروس المُستفادة من معركة سيف القدس بين إسرائيل والمسلمين في فلسطين؟

بدأت في 24 رمضان 1442هـ (6 مايو 2021م) جولة جديدة (ليست الأولى ولن تكون الأخيرة) من المعارك المسلحة بين إسرائيل والمسلمين في فلسطين، وانتهت في 9 شوال 1442هـ (6 مايو 2021م).

الأسباب المؤدية لمعركة سيف القدس

بدأت جولة الاقتتال الأخيرة بين إسرائيل والمسلمين في فلسطين بإعلان المحكمة الإسرائيلية العليا يوم 24 رمضان 1442هـ (6 مايو 2021م)، حُكما بإخلاء عائلات فلسطينية من منازلها في حي الشيخ جراح الواقع في الجانب الشرقي من البلدة القديمة في القدس لصالح إسكان مستوطنين إسرائيليين. تلى هذا النهب المقنن لممتلكات المسلمين في القدس تفجر أحداث المسجد الأقصى يوم 25 رمضان 1442هـ (6 مايو 2021م) باقتحام الشرطة الإسرائيلية باحات المسجد والاعتداء على المصلين، ثم إعادة اقتحام الشرطة الإسرائيلية مسجد الأقصى مرة أخرى يوم 28 رمضان 1442هـ (10 مايو 2021م)، حيث أسفرت تلك الاقتحامات عن إصابة أكثر من 500 مسلم.

اقتحامات قوات مسلحة ومستوطنين إسرائيليين للمسجد الأقصى يدخل ضمن سياسة تهيئة الأوضاع لإزالة الأقصى بالكلية من الوجود وتهويد مكانه المقدس بمنحه لليهود ليقيمون عليه معابدهم وعباداتهم.  

على إثر الانتهاكات الصارخة لمقدسات المسلمين وممتلكاتهم من قِبَل إسرائيل، واعتدائها على المصلين في الأقصى، وَحْدَها قيادة المقاومة الفلسطينية في غزة قامت بخطوة جريئة عملية تاريخية لم يسبق أن قام بها أي كيان في العالم الإسلامي منذ انتهاء حرب 1367هـ (1948م)، حيث منحت المقاومةُ إسرائيلَ مهلةً حتى الساعة السادسة مساءً من يوم 28 رمضان 1442هـ (10 مايو 2021م) لسحب قواتها من المسجد الأقصى، حيث قال المتحدث الرسمي لكتائب عز الدين القسام، أبو عبيدة: «إن قيادة المقاومة في الغرفة المشتركة تمنح الاحتلال مهلةً حتى الساعة السادسة من مساء اليوم لسحب جنوده ومغتصبيه من المسجد الأقصى المبارك وحي الشيخ جراح، والإفراج عن كافة المعتقلين خلال هبة القدس الأخيرة، وإلا فقد أعذر من أنذر». دقائق فقط بعد انتهاء المهلة دون استجابة إسرائيل بإنهاء عدوانها على الأقصى، أُطلِقَت عدة صواريخ من غزة باتجاه إسرائيل منذرة بانطلاق «معركة سيف القدس»، ليتوسع الاقتتال بين إسرائيل والمسلمين في فلسطين، وكالعادة نالت غزة الحصة الأكبر من القصف والقتل والاعتداء الإسرائيلي.

وكالعادة خلال الحروب المتتالية لإسرائيل ضد غزة، اتسمت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بشلل تام، حيث لم تشارك في القتال ضد إسرائيل، لم تفتح جبهة ثانية ضد إسرائيل، تشتت بها جهود القوات الإسرائيلية وتخفف الوطأة عن غزة. فالسلطة الفلسطينية وظيفتها حماية إسرائيل وقمع كل محاولات المقاومة ضدها.

وكالعادة وكما هو منتظر، اقتصرت دويلات سايكس بيكو قاطبة، كتركيا وقطر وغيرهما، بالتنديد ومطالبة الأمم المتحدة بالتدخل لحماية أهل غزة.  

انتهى الاقتتال بإعلان هدنة بين إسرائيل وحماس في 9 شوال 1442هـ (6 مايو 2021م)، دون شروط مُعلنة، كان لأمريكا اليد الطولى في فرضها (أي الهدنة)، وأُقحِمَت مصر كالعادة كسمسار لإسرائيل، لتضمن – أي مصر – تحقيق أهداف أمنية لإسرائيل، ولتستغل مشاريع إعادة بناء غزة لإدخال وتثبيت جواسيس من مصر على المقاومة في غزة، لعلها – أي مصر – تحقق اختراقا استخباراتيا لم تستطع إسرائيل تحقيقه ضد المقاومة.

ما هو نوع الانتصار الذي حققه المسلمون؟

جولة معارك 1442هـ (6 مايو 2021م) بين إسرائيل والمسلمين في فلسطين يمكن اعتبارها انتهت لصالح المسلمين، رغم أن عدد القتلى والخسائر المادية في جانب المسلمين خصوصا في غزة كانت كالعادة أضعاف مضاعفة مقارنة بخسار إسرائيل.

الانتصار الذي حققه المسلمون يتمثل في الآتي:

  1. وصول صواريخ المقاومة، على بساطتها وضعف قوتها التدميرية، الى قاع إسرائيل بما فيها العاصمة تل أبيب، وإحداث شلل نسبي للحياة في كل إسرائيل، بما فيها إغلاق مطار تل أبيب الدولي.
  2. الإسرائيليون عاشوا لأول مرة الحرب داخل مدنهم، وعرفوا معنى الرعب والدمار والخوف من الموت، وهم يرون بأم أعينهم ولأول مرة منذ نشأة إسرائيل مئات الصواريخ تحلق فوق رؤوسهم في مختلف المدن الإسرائيلية، وأدركوا أن حصونهم (كالقبة الحديدية) غير مانعة لهم.
  3. بوصول نيران سلاح المقاومة لقاع إسرائيل، وعدم قدرة الأخيرة حماية مواطنيها وبناياتها منها، ولا قدرتها (أي إسرائيل) على منع المقاومة من إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة، تبَيَّن مدى هشاشة دولة إسرائيل، تبَيَّن أنها أهون من بيت العنكبوت، وأن استمرار بقائها فقط بسبب حبل من الناس كما قال الله، أي بسبب دعم كل دول العالم لها وضخ أسباب الحياة فيها ومنحها الحصانة من أي متابعات مهما قامت به من جرائم. وعلى رأس تلك الحبال، كل دويلات سايكس بيكو في العالم الإسلامي، التي لم توجد إلا لحماية إسرائيل ومنع نهوض أي قوة عسكرية ضدها، وإلزام الشعوب المسلمة بالتطبيع مع إسرائيل وإلغاء كل الفوارق العقائدية بين المسلمين والكفار عموما واليهود على الخصوص، واعتبارهم إخوانا وأصدقاء وحلفاء، والتسليم لهم في كل ما يغتصبونه من أراض المسلمين، واتباع ملتهم وطريقة عيشهم، بغية نيل رضاهم.
  4. تحدي المسلمين لإسرائيل، سواء المقاومة المدنية داخل إسرائيل وخصوصا في القدس حيث حموا الأقصى بأجسامهم وأرواحهم وأحبطوا محاولات تهويد المسجد الأقصى، أو المقاومة المسلحة من غزة على الخصوص التي وصلت نيران سلاحها لعاصمة إسرائيل، هذا كله رفع معنويات المسلمين حول العالم وأعاد الأمل في أنفسهم، وشفى نسبيا صدور المسلمين حول العالم من جرائم اليهود في فلسطين لمدى قرن من الزمن، وأظهر لهم أنهم بإمكانهم تغيير معادلة القوة في العالم، وأنهم يمكنهم الانتصار على إسرائيل إن كانت هناك إرادة سياسية حقيقة مصحوبة بالأخذ بأسباب القوة. وأظهرت لهم أن ظلم الأعداء وطغيانهم واحتلالهم لأراضي المسلمين ونهبهم لخيراتهم وانتهاكهم لأعراضهم، لا يُزال بالتنديد والمؤتمرات والتباكي لدى مؤسسات النظام الدولي، ولكن بالقوة والردع، وقيام المسلمين للدفاع بأنفسهم عن حقوقهم والأخذ بالأسباب لتحقيق النصر.

اقرأ: «من زوال إسرائيل عام 2022 الى تمددها ابتداء من 2020، الجزء الثالث»

هل تحرير كل فلسطين سيكون على يد فصائل مقاومة؟

معركة سيف القدس وإن اعتبرت نصرا للمسلمين ورفعت معنوياتهم وأعادت الأمل في نفوس المؤمنين، إلا أنه لا يجوز لتلك المشاعر أن تغطي على العقل وتؤدي لاستنتاجات وتطلعات وآمال باطلة مخالفة لسنن الله في الأرض. ففصائل المقاومة ليست دولة وليست لديها مقومات الدولة، ومن ثم لا يمكنها الانتصار الكامل على إسرائيل وتحرير كل أرض فلسطين.

ناهيك عن أن فصائل المقاومة تفتقد للوعي السياسي الشرعي، أو على الأقل لديها نقص كبير فيه (أي في الوعي السياسي الشرعي)، وتتسم بانحراف عقائدي، ومن ثم تابعة للنظام الدولي وتعمل تحت مظلته وشروطه وحدوده الحُمر.

من مظاهر غياب الوعي السياسي الشرعي والانحراف العقائدي لدى فصائل المقاومة (وعلى رأسها حماس وجناحها المسلح)، خضوعها للنظام الدولي واعتمادها على دويلات سايكس بيكو في العالم الإسلامي كمصر وتركيا وقطر وإيران والأردن الخ. كل دويلات سايكس بيكو في العالم الإسلامي بدون استثناء، صنعها النظام الدولي وجعل وظيفتها تتمحور حول محاربة الإسلام والحفاظ على النفوذ الغربي في العالم الإسلامي وخدمة إسرائيل وحمايتها.

مثلا حماس تعتبر مصر وإيران أصدقاء وإخوة، وتنسب انتصار المسلمين على إسرائيل لإيران، رغم أن إيران أوغلت في دماء المسلمين السُّنّة في العراق وسوريا واليمن، ودراع إيران في لبنان ينكل بالمسلمين السنة. ورغم أن دويلة مصر من أكبر حماة إسرائيل، تحاصر غزة وتدمر الانفاق بين غزة ومصر، وتمنع حتى المناصرة اللفظية لعوام الناس في مصر للقضية الفلسطينية. دويلة مصر التي أوغلت هي أيضا في دماء المسلمين، وسجونها تمتلئ أكثر من إسرائيل بعشرات آلاف المسلمين بسبب اعتناقهم للإسلام. مصر التي قتلت الآلاف وهجَّرَت عشرات الآلاف من رفح وسيناء لإفراغها لصالح مشاريع توسعية لإسرائيل.

فصائل المقاومة في العالم الإسلامي، وعلى رأسها فصائل غزة، تسعى في أحسن الأحوال لتحسين ظروف وشروط الاحتلال والتبعية للنظام الدولي، وليس التحرر جملة وتفصيلا منها. فمثلا أصدرت حماس ميثاقا جديدا سنة 1438هـ (2017م)، تحت عنوان «وثيقة المبادئ والسياسات العامة لحركة حماس»، تنازلت فيه عن كثير من مبادئها المسطرة في ميثاقها التأسيسي لسنة 1408هـ (1988م)، لعل النظام الدولي وإسرائيل يرضيان عنها، ويزيلانها من لائحة المنظمات الإرهابية، ويقبلونها عضوا في النظام الدولي، كما حصل في السابق مع منظمة التحرير الفلسطينية. فـ«وثيقة المبادئ والسياسات العامة لحركة حماس»، وخلافا للميثاق التأسيسي، تعترف ضمنيا بإسرائيل وتطلب فقط بدويلة على حدود 1387هـ (1967م)، حيث تقول الوثيقة في البند (20): [إن حماس تعتبر أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من حزيران/ يونيو 1967، مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التي أخرجوا منها، هي صيغة توافقية وطنية مشتركة] (انتهى الاقتباس). كما أن وثيقة حماس لسنة 1438هـ (2017م) حذفت كلمة الجهاد من مبادئها.

الدروس المستفادة من معركة سيف القدس

فالدروس والعِبَر التي تُستنتج من معركة سيف القدس، هو أنه إذا تحقق نصر نسبي على إسرائيل على يد فصائل مقاومة لديها أدوات قتال بسيطة، فصائل فاقدة للوعي السياسي الشرعي ومنحرفة عقائديا، فما بالك كان سيكون حال المسلمين وواقع فلسطين، لو كانت للمسلمين دولة مبدئية تحكم بشرع الله حصريا، وتأخذ بأسباب القوة، وتجعل سياستها الخارجية مبنية على الولاء لله والمؤمنين والبراء من الكفر ومن كل من يحارب الإسلام والمسلمين، وتتبنى عمليا قضايا الامة الإسلامية بنصرتهم والدفاع عنهم وخوض الحروب من أجلهم ومن أجل قضاياهم. دولة مبدئية تتبنى قضايا المسلمين حسب تعاليم الإسلام وفرائضه وليس حسب تعاليم الأمم المتحدة وأمريكا؟ إذا قامت للمسلمين دولة مبدئية بهذه الصفات، فسيلتف حولها المسلمون من كل أنحاء العالم، إذ المسلمون متعطشون لقيادة حقيقة تمثلهم فعلا، وتدافع عنهم فعلا، وتخوض الحرب من أجلهم، وتحقق لهم انتصارات وتنهي غطرسة دول الغرب وتكف أيادي الأعداء عنهم، ومن ثم تعيد لهم الشعور بالعزة.

فقط حين يقيم المسلمون دولة مبدئية بالصفات المذكور بعضها فيما سبق، سيتمكنون فعلا من تحرير كل فلسطين! لكن قبل النهاية المحتومة لإسرائيل، ستزيل الدولة المبدئية للمسلمين أولا دويلات سايكس بيكو في رمشة عين، فدويلات سايكس بيكو أهون من إسرائيل. دويلات سايكس بيكو التي تمثل خط الدفاع الأمامي لإسرائيل، ولا يمكن الوصول لإسرائيل إلا بإزالة خط دافعها الأمامي. 

«اقرأ: لولا إسرائيل لكانت دويلات سايكس وبيكو في العالم الإسلامي في ورطة كبيرة»



 

جميع الآراء الواردة بهذا المقال تعبر فقط عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

Print Friendly, PDF & Email
اظهر المزيد

د. هشام البواب

الدكتور هشام البواب، ناقد ومحلل سياسي واجتماعي مستقل . مقالاته تشمل موضوعات سياسية واجتماعية وفقهية وعلوم تجريبية :::::: بعض كتابات الدكتور هشام البواب في الرابط التالي: https://atanwir.com/منشورات-الدكتور-هشام-البواب ::::::: hicbou1@mailfence.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Enter Captcha Here : *

Reload Image

زر الذهاب إلى الأعلى