اجتماع تربية تعليم

الإرهاب والكباب: الوجه غير الإنساني للسويد متمثلا في مكتب الرعاية الاجتماعية (الجزء الثالث)

تطرقت في الجزء الثاني لغريزة التراحم الذي أودعها الله في الأسرة، والتي تجعل الانسان يرغب في تكوين أسرة ويسعى لرعايتها والحفاظ عليها، ومن ثم يُضمن بقاء النوع البشري، وأنه يترتب على الرابطة الوجدانية حق طبيعي لأولوية الآباء في تربية أبنائهم، وأنه لا يجوز فصل الأطفال عن أحد الأبوين أو كلاهما، إلا في حالات شاذة وتحت شروط وإجراءات إنسانية تُحدث أقل ضرر للآباء والابناء على السواء.

وفيما يلي متابعة للحديث عن الوجه غير الإنساني للسويد المتمثل في فصل الأطفال عن آبائهم، سياسة مضادة لفطرة الإنسان.

«دفاعا عن أطفال العالم – بيان السويد»

الحاجيات الوجدانية المتمثلة في ارتباط الطفل بالأسرة وتواجده بينها أهم بكثير من الحاجات المادية

فمن أهم ما يحتاجه الإنسان، والأطفال على الخصوص، هو العلاقات الوجدانية، علاقة الرَّحِم، وما يتولد عنها من حب وعلاقات ودية، وزيارات في المناسبات كالأعياد وفي غير المناسبات، الخ. فالأطفال ليسوا بهائم يُنظر فقط لمكانٍ يحصلون فيه على ما يكفي من الأكل والشرب والنظافة، وإنما الرابطة العاطفية الوجدانية، رابطة الرحم أهم بكثير من الحاجيات المادية للطفل. فرق بين من يغدي الطفل عن حب وبين من يغديه كوظيفة يتقاضى عليها أجرا.

الإنسان، والطفل على الخصوص، يحتاج بغريزته لأسرة، يحتاج لأب وأم وعم وعمة وخال وخالة وجد وجدة الخ، يحتاج لأسرته الطبيعية، أسرة الرحم وليس أسرة مصطنعة غريبة. أسرة الرَّحِم هي المحيط الطبيعي لكل إنسان ولكل طفل على الخصوص، لينمو نموا عقليا ونفسيا طبيعيا. أضف إلى ذلك أن تنقل الأطفال، بعد فصلهم عن آبائهم، من دار رعاية إلى أخرى، ومن أسرة حاضنة إلى أخرى، يفاقم ويضاعف الأزمات النفسية للطفل، لا يعرف الأمان والاستقرار.

بفصل الأبناء عن آبائهم، يتم صنع آلات بشرية، فاقدة في الغالب للحس الإنساني، مختلة نفسيا، حتى لو نجحت ماديا، ومن ثم لا يُستغرب أن تصبح نسبة عالية منهم مدمنين على المخدرات ومجرمين، وساديين، وذوي أمراض نفسية مزمنة، ومنهم من ينتحر، الخ.  

الآباء هم الدرع الواقي الطبيعي لحماية الأطفال من الاستغلال الجنسي

ثم إن من أبشع الجرائم التي تحاربها كل المجتمعات البشرية والدول، بغض النظر عن عقائدها ودياناتها، هو التحرش بالأطفال أو اغتصابهم. ومن ثم تضع كل الدول العاقلة قوانين تمنع كل المقدمات والظروف والملابسات التي قد تؤدي لاستغلال الأطفال جنسيا، ومن أهمها خلوة الغرباء، وخصوصا الرجال الغرباء بالأطفال.

بفصل الآباء عن أبنائهم، بفصل الدرع الطبيعي الواقي (الآباء) عن الأطفال الذي تربطه بهم رابطةٌ وجدانية تحرك مشاعر الحب والعطف والرحمة والمسؤولية والحمية وليست غرائز الشهوة (إذا استثنينا حالات شاذة)، بفصل ذلك الدرع وإيداع الأطفال في دور رعاية مع غيرهم من “الأطفال اليافعين” أو الشباب (فُصلوا هم بدورهم عن أسرهم)، وتحت رعاية موظفين غرباء، أو وضعهم لدى أسر غريبة عنهم، تتفتح الأبواب على مصراعيها لارتفاع احتمال تعرض الأطفال للتحرش الجنسي والاغتصاب والمتاجرة الجنسية بهم، سواء من قِبل أطفال يافعين يقيمون معهم في الملجأ أو من موظفي الرعاية الاجتماعية أو من قِبل الأسر الحاضنة. هل يقبل أي إنسان عاقل أن يترك فتاة أو طفلا مع رجل غريب؟ بهذا الفعل يتم بطريقة غير مباشرة الدعوة لاغتصاب الأطفال وتسهيل حدوث ذلك، سواء أدرك أصحاب القرار عاقبة فعلهم أو لم يدركوا. 

من سيراقب مكتب الرعاية الاجتماعية ويحاسبه ويسحب منه الأطفال الذين أخل بمعاملتهم معاملة حسنة؟

ثم إذا كانت تلك الصرامة تجاه الآباء وتلك المراقبة الدقيقة الدائمة، والإسراع في اعتبار أبسط التصرفات تجاه أبنائهم جريمة توجب سحبهم على الفور، فلِما لا نرى مثل تلك الإجراءات مع مكتب الرعاية الاجتماعية وموظفيه، ومع الأسر التي تحتضن الأطفال؟ أليس الأولى أن تكون الرقابة أشد على هؤلاء الغرباء؟ أليست احتمالية إيذاء الأطفال والتعامل الجاف معهم، وضربهم وشتمهم وإهانتهم، وبل واغتصابهم، أعلى بكثير إن كانوا تحت رعاية غرباء؟

ولماذا لا يتم الاستماع لشكاوى الأطفال ضد دور الرعاية ومكتب الرعاية الاجتماعية والأسر التي تولت رعايتهم، ومن ثم سحب الأطفال من هؤلاء استنادا لشكوى الأطفال أو بلاغات شهود عيان، تماما كما يُفعل مع الآباء؟

ثم إذا كان مكتب الرعاية الاجتماعية يحاسب الآباء ويراقب تصرفاتهم مع أبنائهم، فمن سيراقب ويحاسب مكتب الرعاية الاجتماعية والأسر المتبنية للأطفال، ويسحبهم منهم إن ارتكبوا نفس “الجرائم” التي بسببها سُحب الأطفال من آبائهم؟

ثم كيف يكون مكتب الرعاية الاجتماعية هو الخصم وهو الحَكَم، إذ تستند المحاكم في حكمها على التقارير التي يصدرها!أليس من الواجب أن يعين الآباء أو المحكمة جهة ثالثة مستقلة، للتحقيق في الحالة؟ ثم أليس الأصل أن يرفع أولا مكتب الرعاية الاجتماعية دعوى لدى المحكمة ضد الآباء المخلين بواجبهم تجاه الأطفال، وبعد قرار المحكمة، يتم فصل الأبناء عن الأب أو الأم أو كلاهما، وليس العكس، أن يسحب المكتب الأطفال، ثم يركض الآباء لسنوات في المحاكم لمحاولة استرداد أبنائهم؟

ثم كيف يتم التحقيق مع أطفال قاصرين من قِبَلِ مكتب الرعاية الاجتماعية، دون حضور أولياء أمرهم ومحامين؟ حتى في جرائم يرتكبها القاصرين، لا يجوز استجواب الشرطة للأطفال إلا بحضور أوليائهم (الوالدين أو أحدهما).

ثم كيف يتحقق العدل والإنصاف بوجود قوانين وبنود فضفاضة، تعطي للموظفين صلاحيات شبه مطلقة ومجالا واسعا لاتخاذ قرارات حسب التأويل والظن والميول؟

ثم كيف تعتبر خاصيات في التربية متعلقة بدين الأسرة وعقيدتها، جريمة يتم على أساسها سحب الأطفال، كالنظرة للعلاقة بين المرأة والرجل، والزواج، والاختلاط، الخ؟

تعريج عارض على أسباب خطف الأطفال

أما أسباب فصل الأطفال عن الأبوين أو عن إحداهما، فتحتاج لبحث ونقاش منفصل ومفصل، لتحديد الجائر منها والصائب. لكن أقتصر هنا على ذكر أن مرض الأطفال مثلا لا يجوز أن يكون سببا لفصلهم عن آبائهم. كما أن الفقر لا يجوز أبدا أن يكون ذريعة لفصل الآباء عن أطفالهم، فالأموال التي تصرف على دور رعاية الأطفال أو على الأسر المتبنية للأطفال المسحوبين، أو السماسرة الذين يقومون بعمليات توزيع الأطفال ويشرفون على دور الرعاية، تلك الأموال الأوْلى أن تُمنح للأسر المتضررة لتتمكن من رعاية أطفالها بشكل أحسن. ربما كثير من المشاكل سببها الأوَّلي مادي خصوصا إذا كان الآباء عاطلين عن العمل أو الدخل لا يكفي، فتترتب عنه مشاكل كثيرة داخل الأسرة. بمنح الآباء أموالا كافية للعيش، مع توعيتهم وتعليمهم قوانين البلاد، تزول كثير من الضغوطات والمشاكل داخل الأسرة. ثم إن إنفاق الأموال على الأسرة المتضررة نفسها، سيكون أرخص بكثير مما يُنفق في عمليات سحب الأطفال وإيداعهم في دور رعاية أو لدى أسر أخرى. 

هل نحن بصدد تطهير ديني وعرقي بأسلوب يختبئ وراء مزاعم حماية الأطفال؟

ماذا بقي من حرية التدين والاعتقاد، إذا كانت المسلمة لا يجوز لها ارتداء الحجاب، ومفروض عليها ممارسة الرياضة والسباحة مع الذكور بدلا من تمكينها من ممارستها بين البنات فقط؟

ماذا بقي من الحرية والحقوق إذا كان الآباء النصارى أو المسلمين أو اليهود، لا يجوز لهم تعليم أبنائهم معتقداتهم وديانتهم وتربيتهم عليها؟

ماذا بقي من الحرية، إذا فرضت الدولةُ العلمانيةَ الليبرالية بالقوة على الناس، وعاقبت من يربي أبنائه على معتقدات مخالفة للذي تتبناها الدولة؟ بمنع الأبناء من تبني ديانة الآباء وممارستها، ستنقرض تلك الديانة ويُقضى على أصحابها!أليس هذا هو تطهير عرقي أو بالأحرى ديني، بأسلوب خبيث، يختبئ وراء مزاعم حماية الأطفال؟



 

جميع الآراء الواردة بهذا المقال تعبر فقط عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

Print Friendly, PDF & Email
اظهر المزيد

د. هشام البواب

الدكتور هشام البواب، ناقد ومحلل سياسي واجتماعي مستقل . مقالاته تشمل موضوعات سياسية واجتماعية وفقهية وعلوم تجريبية :::::: بعض كتابات الدكتور هشام البواب في الرابط التالي: https://atanwir.com/منشورات-الدكتور-هشام-البواب ::::::: hicbou1@mailfence.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Enter Captcha Here : *

Reload Image

زر الذهاب إلى الأعلى