ساعي البريد

ساعي البريد المتمرّد كل يوم مع بزوغ الشمس، يقفز من فَوق أسوار حارتنا كي يحضر لنا الرسائل من الغرب إلى مسقط رأسنا في “الشرق“. يؤدّي عملهُ على أكمل وجه، يمّر على البيوت كلها بعدَ وصوله لبوابة أرضنا العريقة، فيضع عند كل منزل ضرفا، عند بيت الخبّاز أولاً ثم بيت الكهلة، وعند باب حُجرة مؤذّن الحارة، …
وآخر منزل يقتحمُ حديقتهُ دونَ إذن أهل الدار وبهدوء تام وخطوات واثقة، ليس خائفاً وهو لا يخشى أي ردة فعل معادية له، فهناكَ أمة شقراء تحميه! هو رسول أفكارها وعاداتها ومبادئها
عند باب حديقة المنزل .. يلتقي بفتاة صغيرة ترتدي فستان مطرز بزخارف متشعبّة فوقه تشبهُ تفرّع نخيل بلادها الطيّب تلعبُ بدميتها حَول أمها المنشغلة في خض شيء تجهله عيناهُ الزرقاوتان، أشبه بقربة! تستفزه قطعة القماش السوداء التي تغطي محياها ورائحة الطيب في المنزل، فهذهِ الطقوس لا تشبهُ طقوس دياره. يكتفي بوضع الرسالة ويذهب ليكمل مهمته ويملأ أزقة سكّان هذه الديار بالرسائل غير المرئية، التي تتجرّدُ حروفها من العروبة السارية في دماء أهل الحارة.
هذا هو حال ساعي البريد؛ كل يوم يسعى لغزوهِم بالفكرة المخبأة في تلك الرسائل الكاسِفة. وهل يا تُرى سيتأثرون بِها رِجال العقال ونساء البراع، وهل ستتعاظم الرسائل لتصبح ظواهر مرئية يومًا؟ هذا العصر كفيل بالرد ..
طرح جميل ياشهد👍🏻👍🏻